تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


اليسارالفرنسي... سيرة الفوز وآفاقه

شؤون سياسية
الثلاثاء 30-3-2010م
توفيق المديني *

حقق اليسار الفرنسي المتكون من الحزب الاشتراكي، وحزب الخضر، والحزب الشيوعي، وتنظيمات أقصى اليسار، في انتخابات مجالس المقاطعات،

التي جرت على دورتين، يومي الأحد 14 و21 آذار الجاري، فوزاً كبيراً بنحو 54،3 في المئة من أصوات الناخبين مقابل 50.63 في انتخابات مجالس المقاطعات سنة 2004.‏

ورغم هذا الفوز الكبير، فإن اليسار أخفق في تكرار إنجاز العام 2004، فجاء فوزه هذه المرة في 22 مقاطعة من أصل 26 (مقابل 24 من أصل 26 في العام 2004) في حين بسط الحزب الاشتراكي قيادته على 20 مقاطعة فقط وليس 23 كما أرادت زعيمته مارتين أوبري.‏

وفي المقابل مني اليمين الفرنسي بهزيمة قاسية إذ حصل على نسبة 36.1 في المئة، بينما حقق اليمين المتطرف، متمثلاً بـ (حزب الجبهة الوطنية) الذي يقوده جان ماري لوبان وابنته ماري، اختراقاً كبيراً في صفوف القاعدة الانتخابية الفرنسية، إذ حصل على نسبة10 في المئة من اجمالي الأصوات مقابل 12 في المئة في انتخابات 2004.‏

من الجدير بالتذكير في هذا الصدد، أن انتخابات المقاطعات هذه وإن اعطت في الوقت الراهن صورة صغيرة عن موازين القوى السياسية في فرنسا، فإنها لاتعتبر ميزاناً للاستحقاقات الانتخابية الكبرى مثل الانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية، وأكبر دليل على ذلك فوز اليساريين عموماً والاشتراكيين خصوصاً بـ 24 مقاطعة من أصل 26 في العام 2004، ولكن زعيمتهم وقتها سيغولين رويال خسرت السباق الرئاسي إلى الإليزيه في 2007.‏

وهكذا فإن الفوز في انتخابات محلية لايعني بالضرورة وتلقائياً الفوز في انتخابات وطنية إذ إن سابقة سنة 2004، لاتزال ماثلة أمام الجميع، فمنذ سنة 1993، كان الحزب الاشتراكي يفوز في الانتخابات «الوسطية» لكنه يخسر في الانتخابات الرئاسية التي تحمل طابعاً وطنياً فقد خسر ثلاث مرات في الانتخابات الرئاسية 1995، 2002، 2007.‏

فبعد ستة عشرة شهراً من انتخابها المثير للجدل على رأس قيادة الحزب الاشتراكي الفرنسي، قادت السكرتيرة الأولى مارتين أوبري الحزب نحو فوز جديد، أنساه الهزيمة المرة التي مني بها في الانتخابات الأوروبية سنة 2009 (16.5 في المئة).‏

وتواجه سكرتيرة الحزب الاشتراكي مارتين أوبري ثلاثة تحديات: الأول بوصفها السكرتيرة الأولى للحزب الاشتراكي ومايتطلب منها ذلك بلورة مشروع تجديد الحزب الثاني: بوصفها زعيمة المعارضة التي تقف على قيادة حزب يقود اليسار في مجموع مكوناته، والثالث: بوصفها المرأة المعترف بها لكي تخوض الانتخابات الرئاسية في سنة 2012.‏

منذ الهزيمة التاريخية التي مني بها مرشح الحزب الاشتراكي للانتخابات الرئاسية الفرنسية في سنة 2002، والاشتراكيون الفرنسيون يعانون من ثلاث عقبات لم يستطيعوا تجاوزها.‏

الأولى هي أزمة بلورة قيادة واضحة للحزب، وإذا كانت أوبري نجحت في فرض قيادتها على الحزب الاشتراكي، فإن هذه القيادة ستخضع لامتحان قاس بعد الدورة الثانية يوم الأحد 21 آذار الجاري، عندما تنطلق الانتخابات الأولية لترشيح من يتبوأ منصب المرشح الرئاسي للحزب الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولاسيما في ظل تطلعات المرشحة السابقة سيغولين رويال، التي أعلنت أنها يمكن أن تكون مرشحة للانتخابات الرئاسية المقبلة في سنة 2010، وهناك الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي فرانسوا هولاند، الذي يظل المعارض الرئيس لمارتين أوبري، وهناك رئيس صندوق النقد الدولي دومنيك ستراوس خان، الذي يتقدم استطلاعات الرأي في الوقت الحاضر.‏

الثانية: هي مشروع الحزب الاشتراكي وكيف يمكن أن يوفق بين تياراته المتصارعة في داخله «الاشتراكي الإصلاحي، والاشتراكي الليبرالي، والاشتراكي الراديكالي».‏

الثالثة: وتتمثل في مسألة بناء «البيت المشترك» لليسار التعددي.‏

اليسار الفرنسي بعد فوزه في الانتخابات المحلية الأخيرة، مطالب بأن يفتح صفحة جديدة في تاريخه، وأن يغترف من أعماقه الطاقة الحيوية التي ستسمح له أن يكون وفياً كلياً لمثله، وقادراً على رسم سيرة جديدة لفرنسا في القرن الحادي والعشرين ويعلم الجميع أنه من أجل تحقيق ذلك، يصبح تجديد اليسار أمراً ضرورياً بل إعادة بنائه، لاستعادة ثقة الشعب، وبالتالي العودة إلى السلطة، ولايمكن تجديد وإعادة بناء اليسار من دون تحقيق ثورة فكرية وثقافية قائمة على التحليل النقدي والديمقراطي- كتلك التي تحدث عنها غرامشي- ضد «هيمنة الأيديولوجيا المسيطرة».‏

من الناحية التاريخية، الاشتراكية الديمقراطية تهدف إلى تحويل النظام الرأسمالي من الداخل أكثر منه تفجيره بوساطة الثورة العنيفة، والحال هذه من الواضح أن الحزب الاشتراكي الحالي يلبي بعض شروط معايير حزب اشتراكي- ديمقراطي: مرجعية القيم الإنسانية، احترام الديمقراطية، واقتصاد السوق على أن تكون «اجتماعية» كما يشير إلى ذلك هنري ويبير أحد أركان لوران فابيوس.‏

* كاتب تونسي‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية