وهي المكانة الموصوفة طبقاً لليونسكو، واتفاقية جنيف الرابعة وقرارات مجلس الأمن، وفيها القرار القاضي ببطلان الضم الاسرائيلي 1981.
وبهذا الانفراد : 1 ضد 46 صوتاً يتكون منهم مجلس حقوق الإنسان، تكون الولايات المتحدة قد طبقت إجرائياً المعلم الأبرز الذي ساد الخطاب الرسمي الأميركي في مؤتمر الـ «إيباك» هذا العام، وهو التشديد على أمن الكيان الصهيوني.
وليس ثمة مفارقة في موقف أميركا الفظ داخل مجلس حقوق الإنسان، وربط الإجماع الأممي بمهددات أمن اسرائيل لأن واشنطن تعتمد بنياناً من المعايير في مقاربة أمن اسرائيل يقع خارج بنيان الشرعية الدولية, إلى الدرجة التي تتخطى واشنطن بها حدود السلامة المنطقية، مثل الجرأة التي عبرت بها كلينتون عن الهوس الأميركي المحموم بأمن اسرائيل أمام مؤتمر إيباك بالقول: إن تقرير غولدستون مزور كلياً!
حسب المنظور الأميركي فإن تقرير غولدستون القاضي اليهودي المنزه عن تهمة معاداة السامية، وهو التقرير الذي اعتمده مجلس حقوق الإنسان والمجتمع الدولي ممثلاً بالجمعية العمومية للأمم المتحدة، إنما هو مزور كلياً لسبب جوهري هو أنه ينعش أيديولوجيا المقاومة ضد الاحتلال، ويحط من شأن الذين يمشون على الإيقاع الاسرائيلي، معترفين باغتصابها للأرض وانتهاكها للحقوق، وفيها حق تقرير المصير، معتمدين خيار التفاوض دون بديل.
وهذه الهرطقة في رمي تقرير غولدستون بأنه مزور، هي من جنس هرطقة نتنياهو في حديث الـ 3 آلاف عام، المحددة لابتداء عمر بناء المستعمرات اليهودية في القدس!
فالصلة مقطوعة بين هذه الهرطقة وبين ضوابط الشرعية الدولية، وكذلك بينها وبين أحكام القوانين المدنية، وحدود السلامة المنطقية.
طبقاً للبنيان النظري في هذه الهرطقة، فإن كل ما من شأنه مؤازرة نهج مقاومة الاحتلال يستوجب المحاصرة والتشهير وتلطيخ السمعة و الفيتو في مجلس الأمن، والانفراد المعزول في مجلس حقوق الإنسان، لأنه يتهدد أمن اسرائيل بحكم انتمائه الصريح إلى أيديولوجيا المقاومة.
وأمن هذه الـ« اسرائيل» هو أمن أميركا، وقد استفاض المسؤولون الأميركيون في إيباك هذا العام بتوليد التلازم بين أمن اسرائيل وأمن الولايات المتحدة.
ومن دون أن نعرض أمثلة هذه الاستفاضة نتوقف عند المدلول السياسي للأقانيم الثلاثة التي خلصت إليها الوزيرة كلينتون، والتي رأت فيها المهدد الحقيقي لأمن اسرائيل وهي الأيديولوجيا، والتكنولوجيا، والديمغرافيا.
في اختصار، كانت كلينتون تشير بالتكنولوجيا، إلى تطور أسلحة المقاومة المضادة للدروع، التي امتحنت في جنوب لبنان 2006، وهمشت قوة الردع الاسرائيلي، مع مايلي ذلك من قدرة صواريخ المقاومة على النيل من عمق الكيان الصهيوني.
أما حديث الديمغرافيا فمرتبط حصراً بانخفاض وتائر جلب اليهود إلى فلسطين،انخفاضاً مشفوعاً بتأبط المجلوبين القدامى جواز السفر الثاني للاستخدام حين تدلهم خطوب المجابهة.
ويبقى اقنوم الأيديولوجيا، وكلينتون لاتتحدث هنا عن أيديولوجيات بالمعنى الأكاديمي، بل عن المؤثرات المعنوية للاجراءات.
فهي حددت أن المقاربة الفلسطينية لتدشين كنيس الخراب في القدس المحتلة، تحولت إلى ربح صاف في حساب حماس.
وهذه المؤثرات الأيديولوجية هي الحقل الأرحب الذي تتبارى فيه واشنطن مع نتنياهو لتعيين مهددات أمن اسرائيل والإجهاز عليها.
كلينتون قالت: هناك صراع حقيقي بين القابلين بـ اسرائيل وبين المقاومين، وأضافت أمام إيباك في 22/3 اجراءات اسرائيل في القدس تضعف القابلين، وتضيّق فرصهم.
أما نتنياهو فقدم ملفاً عن ديمومة بقاء الجندي الفرنسي المرتزق جلعاد شاليط أسيراً، وفيه أن اسرائيل رفضت، بعد قبول أولي، إطلاق سراح مروان البرغوثي في صفقة التبادل، نزولاً عند طلب القابلين كي لاتتحول الصفقة إلى ربح صاف للمقاومين.
بيد أن دافيد بترايوس جنرال القيادة المركزية الوسطى، دخل على خط التباري في المؤثرات الأيديولوجية من باب المراجعة التي يقتضيها حال المغادرة، والأدق: المراجعة الأميركية لسياسة غطرسة القوة والتي يعود فضل ابتدائها إلى عهد جورج بوش بالذات.
بترايوس أنذر لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس بأن جنودنا يقتلون في العراق وأفغانستان بسبب الاجراءات الاسرائيلية.
أي أن المراجعة الأميركية التي وجدت تقعيدها في تقرير بيكر هاملتون وأتت بروبرت غيتس وزيراً للحربية بقرار من بوش، والكونغرس خلفاً لرامسفيلد، واستبقاه أوباما إنما هي مراجعة ممتدة، وتكتسب إلحاحها راهناً مع تفاقم أزمة أميركا الميدانية المحمولة على أزمة النظام المالي الأميركي.
وفي مضمار هذه المراجعة الممتدة يتبارى كل من نتنياهو وبترايوس في تعيين المصلحة الاستراتيجية العليا للإمبراطورية الأميركية و تابعها الكيان الصهيوني.
ولم يفت الوقت أمام العرب لتعيين مايجب عمله، وفي المقدمة الاصطفاف خلف النهج المقاوم، كي يتعاظم تأثيره، الذي تسميه كلينتون الأيديولوجي في فلسطين أساساً، كما في العراق وأفغانستان.
إذ إن ما يجري بين واشنطن وإسرائيل مراجعة للحسابات وتدقيق مشترك للمخاطر على الأمن المشترك، وليس أزمة كما يتعسف البعض في قراءة واقع الحال.
والمسكوت عنه في واشنطن بتسارع ماكينة المراجعة يمكن ويجب تحويله مادة حراك رسمي وشعبي عربي، في صحوة تستبين موطئ القدم، والسمت اللاحق للتوجه.
siwan.ali@gmail.com