هي غير السرد، غير الغنائية الشعرية. هي احتفال. إنها تـُستوحى منه لتتجه في الوقت ذاته إليه، من حيث هي قبل كل شيء.. فعلٌ.
إذاً تغيّرٌ في طرائق التعبير.. من جهة القول، من جهة الاحتفال الإنساني الجمعي ذي القصد المعين، الديني وغيره، من جهة ما تفاعل بينهما.. تغير من بين ما أعطى: دراما.
كذلك إن مثل هذا الجنس الأدبي الفني، في ظروف لاحقة، في أثناء معطيات مختلفة، من فكرية وسواها، احتاج إلى إضافة بمنزلة إحدى حالات وجوده.
دراماتورجيا هي تلك الإضافة. هي إضافة، حالٌ جديدةٌ، مصطلح جديد، جزؤه الأول نعرفه أو عرفناه. جزؤه الثاني، نجده في غير قاموس من قواميس لغات عالمية معروفة، نجد أنه يعني تحولاً.
من الأهمية أن يصبح مثل هذا المصطلح برمته ذا معنى فيه تحوّل. هذا ما أريد له بالأصل منذ طرحه مستقلاً عن مفاهيم ثقافية مختلفة. دراماتورجيا، تحديداً، تعني تحولاً. بالأحرى علينا أن نفهمها بهذا المعنى، حتى نبدأ بإزالة ما قد يحوطها ـ وهو كذلك ـ من لبس.
تحول.. من أين يبدأ؟ إلى أين يتجه؟ ما محتواه؟ إن مثل هذه الأسئلة، أجوبتها، على الأقل، توضح ما يعني هذا التحول بل لم لا تعطي دلالته؟ دراما وحدها، تحمل معناها، قيمتها، حتى لو ظلت نصاً على طاولة. لكن تبدل المصطلح أو معنى الدراما إلى مصطلح آخر، ثان بواسطة جزئه الثاني ذلك، سيضاف إليه معنى جديد تماماً، دراماتورجيا، اصطلاحاً، تصبح مصطلحاً واحداً، تستقل بدلالتها وبوظائفها المتسعة بل الشائكة أحياناً.
• • •
مسرحة كلمة واسعة. الهام إنها تبدأ من هنا، من اختيار ما. لماذا هذه المادة أو تلك؟ من أي عصر هي؟ هناك أسئلة ستكون متنوعة، غير قليلة، لكنها تترابط فيما بينها.
مسرحة هذه، كأنها استحضار أو معبرة عن تلك الأسئلة، وعما ستكون عليها أجوبتها في الوقت ذاته.
تقرأ شكسبير مثلاً، فإنك لا يمكن أن تمر في مجال شخوصه مروراً عادياً. إن ذلك، مرور غير العادي، يكاد يكون في المسرح بعامة. إلا أنه عند شكسبير لا شك، يفوح برائحة أغنى. أو إن ثمراته هي غير عادية قط. لم لا تكون هذه النقطة، نقطة انطلاق نحو تحقيق عرض مسرحي؟
• • •
إذا كان التفكير في مادة العرض، هو نوع من تصور له؛ فإنه أي هذا النوع، هذا التصور بدوره هو بدء الاتجاه إليه. تحديداً إلى واقعية العرض، واقعية تحققه فيما بعد.
في مثالي.. ثمة عرض، من مادة، من شكسبير، سيقام دراماتورجيا.. لم يعد التفكير بالمادة، بقضاياها فقط. بل بها، بما يرتبط بالعرض ذاته، بالانعطاف نحوه. خاصة فيما يتعلق بتصور أنواع فنية مختلفة. بالطبع هي نوع من التوقعات أيضاً، التي تحمل معاني خاصة.. من سلب أو إيجاب أو الاثنين معاً.
• • •
مجرد بدء التفكير في إقامة عرض مسرحي؛ وتخيل تحققه واقعياً. هي في الوقت ذاته خطوة هامة في سير ذلك التحول، إن لم تكن ارتكازاً له.
ما هو محتواه؟ تساؤل يصبح أساساً في سيره. هنا لا بأس أن يحدد مثل هذا المحتوى بالإطار العام.. بإطار ما هو إجابة على أسئلة تطرحها آلية التنفيذ.. آلية الشغل على إنتاج العرض المسرحي، بالأحرى على تحقيقه إخراجياً.
بالعام.. أي كيف تنتقل عملية الإخراج تلك، من عنصر إلى آخر، من تمثيل إلى غيره. بمعنى إنها تشمل كل علاقة داخلية، في الوقت الذي تنتج فيه أيضاً، كل سيرورة من سيروراته المتعاقبة. ماذا نريد من عرض مسرحي، يعتمد شكسبير مادة؟
خطوة إلى أمام، ماذا نريد من شخصيات في مسرحه؟ بم تتشابه؟ إن كان هذا السؤال ـ ولو بدرجة ما ـ صحيحاً. بم تختلف؟ ما أكثر أوجه اختلافها. ما نوعها؟ من جهة نوع الدراما، مأساة أو غيرها، ما طبقتها ما تاريخيتها؟ سؤال بعد سؤال..
• • •
بداية من نقطة من هاملت الشخص. تلك كانت من الفصل الخامس في المشهد الأول من المسرحية التي تحمل اسمه. فأخذت في سياق علاقة، بينه ومعه صديقه هوراشيو، وبين مهرجين، هما حفارا القبور في مقبرة في فناء الكنيسة في ألسينور التي تميزت بقلعتها، حيث عاش فيها هاملت مأساته.
حيز لا شك، إذا ما قورن بطول المسرحية، هو صغير، صغير جداً. خاصة إني نظرت إلى هذين المهرجين من خلال خواصهما المتشابهة كالحكمة والدعاية؛ كأنهما واحد، لتعميق ما بينهما وما يطلقانه. بذلك صار المشهد من النص إلى العرض بين هاملت وهوراشيو من جهة ومهرج أوضح من جهة ثانية.
اختلاف بين حالتين، إبرازه، كان الأهم. ليساعد على التعرف إلى هاملت أكثر.. يتساءل: "فيفني وهو يحفر قبراً؟ ".
تساؤله يتصاعد لتصبح أجوبة المهرج أكثر أهمية أيضاً. اختلاف يرجعنا توكيداً وتطويراً، إلى أحداث سابقة في المسرحية.. ولادة هاملت، أسباب ترحيله إلى انكلترا وسواها.
تأملات منه، يجري التركيز عليها في العرض. علاقة الجماجم التي يراها بأصحابها الذين يتخيلهم. من محام وغيره حتى يصل إلى جمجمة "يوريك" بعينها، مضحك الملك السابق أي والده. تركيز يمتد إلى تأمله، فيما هو يحاور هوراشيو، تأمله في ما آل إليه اسكندر في التراب.
• • •
إذا كان هاملت يتأمل ويتأمل كثيراً، فبأي مبرر يؤتى عطيل ليوضع إلى جانبه؟ أليس هو بصفات عدة، تقريباً بالأهمية ذاتها؟ ألا نقف أمامها مدهوشين، مفكرين؟ من ولادة إلى لون إلى طبيعة في النفس في العقل، إلى رومانسية، إلى شاعرية، حتى إلى قوى فيه، تصل أحياناً إلى الفولاذية. فكم من صفة!؟
في العرض.. ضمن زمن معين، ضمن مجموعة معينة من ممثلين، ضمن شروط أيضاً معينة، إضاءة، موسيقا، غيرهما.. لجأنا إلى مرتكزات ثلاثة. أولها إعلان المنادي ـ المشهد الثاني، الفصل الثاني ـ في شارع في قبرص من بيان يقرأه بين الناس.. عن هلاك الأسطول التركي أمام عطيل وعن إمكانية أن يفرحوا بذلك. إعلانه أيضاً عن زواج عطيل من دزديمونة.
مشهد رغم قصره، يخبرنا عن خط أساس عند عطيل، خط عمله القتالي. عن خط ثان.. العلاقة الإيجابية فيما بينه وبين الناس. أيضاً عن ذلك الزواج الذي سيكون بؤرة هامة في توليد أحداث المسرحية.
ثاني هذه المرتكزات، حوار سريع بين عطيل وياغو وسادة آخرين، في غرفة في القلعة ـ المشهد الثاني، الفصل الثالث ـ يُظهر حرص عطيل في عمله العسكري، حرصه في أن تكون علاقته مع الدولة من حيث هي واجب عليه وعلى أولئك السادة ممن هم معه، في مجال عمله.
• • •
مرتكزان بحق كانا يمهدان إلى ثالث آخر، المشهد الثالث، الفصل الثالث.. إنه يجري في حديقة القلعة فيما تتوزعه في فترات متلاحقة شخوص عدة.. من ديزديمونة إلى كاسيو إلى إميليا إلى جانب كل من عطيل وياغو.
في هذا المرتكز وهو ما اختتم به عطيل في العرض، أبرز حواره مع ياغو. لنتأمل من جهة في هذه الشخصية، في عطيل، كثيراً. وكأننا أصبحنا نشعر المشاهد بأنه يستطيع أن يكمل، من جهة ثانية، تأملاته فيه، في مساره فيما بعد ولو بوضع فرضيات.
من خلال عطيل نتوصل إلى ياغو. ثم ألا يجعلنا ذلك اللون من الشر، أي ياغو، أن نتأسف ولو على بريق إنساني عند عطيل؟ ونحن نتأسف أو ونحن نضع أيدينا على قلوبنا تحسراً عليه.. نسأل.. فيما يتمتع، ليس من قوة وإرادة فحسب.. بل من صفاء، من عشق لحبيبته دزديمونة التي غدت زوجته الآخذة مضياً في جمالها ووفائها له.. نسأل: ألم يستطع أن يقاوم زيفاً يقدمه ياغو!؟
صراع اقتضاه شكسبير. عرضنا المسرحي من خلال ما يتعلق بعطيل توخ أسئلة تنطلق بما يمكن أن يخبئه الشر للإنسان.. الشر بوسائله المتنوعة من خداع وغيره. بالوقت ذاته تنطلق مما إذا كانت شخصية مثل عطيل، تظل بقادرة على أن تنتصر. ياغو ألم يحقق مآربه؟ على الأقل أهمها؟ إذا كان هاملت في خاصة من خواصه، يسأل.. أفلا.. يجعلنا عطيل في خاصة فيه أو في خاصة منه، بدورنا نسأل ونسأل؟
• • •
لير ربما كان الارتكاز لعرضنا المسرحي من حيث الدلالة الفكرية بالعام، دلالة العرض. لير.. برغم ما يتفرع منه، من علاقات مع بناته كما هو معروف.. غونريل وريغن من جهة. كورديليا من جهة ثانية، هاتان الجاحدتان، هذه الوفية الجميلة، مع سواهن، الفضلاء أو الرذلاء، مع كنت الوفي، مع أدموند الغادر مع جزئه الآخر، ربما مع ضميره مع صوت من ضميره بهلول.. برغم أهمية ذلك التفرع؛ لم يتوقف عندها.
بمعنى آخر.. أخذت هذه العلاقات لنعود إلى بديهية.. لير مثال على ما يمكن أن يحدث مع أي شخص كان.. أعاملاً عادياً أم ملكاً. هي بديهية عل مستوى الظاهرة العامة للبشرية. لكن على مستوى الواقع، مستوى التنفيذ القدري، إن جاز التعبير، لا القدر بحد ذاته، يختلف الأمر. من بديهية إلى ذلك التنفيذ.. ليصبح تساؤلاً. ذلكم بالضبط ما تعني تلك الكلمة: الارتكاز. ليصبح، أي ذلك التنفيذ تساؤلاً، لتحدث في الوقت ذاته معالجة جديدة في الإخراج.
لير: "قالوا لي إنني كل شيء. أكذوبة فاضحة، فأنا لست محصناً ضد القشعريرة".
هذه العبارة في المشهد السادس، الفصل الثالث. آخر ما قاله لير في عرضنا المسرحي. إذ إنها هي الهدف.
وصار معها، مع جملة لير تلك، توجيه النص الأصلي نحو تلك المعالجة.. لا سيما المشهد الخامس من الفصل الأول.. إذ يبرز عمق فلسفة بهلول حيال أسئلة لير، يبرز إخلاص كنت له "لن أنام يا مولاي حتى أسلم رسالتك" جملة واحدة له في هذا المشهد ويخرج. رسالته إلى دوق في غلوستر.
في السياق ذاته، سياق عما حدث للير من منظور عرضنا المسرحي.. قـُدم المشهد الأول فالثاني فالرابع من الفصل الثالث خاصة من أجل أن يسأل لير: "من له أن يخبرني من أنا؟" خاصة ليجيبه بهلول: "ظل لير.. ظل أنت يا سيدي".. ذلكم ألا يدفعنا لأن ننقل لير، مأساة إلى رؤية جديدة؟ إلى معالجة جديدة؟ تنطلق من داخل السلطة، أو من داخلها من غير خوف؟
• • •
مكبث.. في العرض المسرحي، بغض النظر عما أجري من شيء جديد من صياغة ما؛ لما يحمل من تفصيلات؛ يبرز ما نريده، ربما يوضح جانب ما تفعله الشخصية من شر. عطيل غير مكبث. لكن قتله دزديمونة آخراً ليس هو نوع من الشر!؟
مكبث يتآمر حتى ضد من يساعده، ضد بانكوو، القاتل الشريك. كلاهما يقتل الملك. يتآمر، ينفذ. يلجأ إلى علم الغيب ليعطيه الأخبار عن شره.. إلى ساحراته إلى ربتهن، إلى تلفيقاتهن جميعاً ولو صدقن في بعضها، "سلاماً يا مكبث، سلاماً يا أمير كودور!"، قبل أن يصبح الأمير.
يلجأ أو بالأحرى يسمع لتلك الطامعة ولو عن طريق الشر.. يسمع إلى تحريضاتها الدموية إلى زوجته، الليدي مكبث. إن هذا الجزء كان هو الأكبر من أجزاء العرض، باختصار كان يبين، أي هذا الجزء، التحول من بطولة ما، إلى شريعة هي الإجهاز على الغير، هي القتل، إلى، وهذا الهام، ما يمكن أن يستنتج من هذه الشريعة وما عساها أن تكون من نتيجة؟
نتيجة، في واقع المسرحية، في واقع العمل عليها، كانت تتسلسل من غرفة في قصر إلى حديقة فيه، إليه بالذات إلى فلاة، إلى وليمة مهيأة سابقاً لمكيدة معينة.. تتسلسل من اسكوتلندا إلى انكلترا إلى ريف قرب دنسينان، إلى غابة في مدى البصر، إلى امتداد فصل من "مكبث"، فصلها الخامس المتعاظم بالقتال أي إلى اسكوتلندا ثانية.
• • •
أرجو أن يكون قد وضح شيء من دراماتورجيا، من معالم منها، في عملية إخراج عرض مسرحي، على ضوء ما ذكرت في عرض "إيقاعات من شكسبير" المسرحي. أعود وأذكر أن الهام فيها، ما يفيد في تحوّل المادة المنطلق منها إلى عرض مسرحي محقق.
عند هذه النقطة بالذات ـ تحول، تحدث التباسات وما أكثرها. إذ يحول عدد من وظائف إنجاز العرض المسرحي أو من فنونه إليها.. إلى دراماتورجيا.. من تأليف مسرحي إلى إعداد نص للمسرح، أحياناً إلى نقد مسرحي، إلى غيرها من فنون مسرحية مختلفة.
دراماتورجيا لها علاقة مع أي من تلك الفنون، نعم. لكن ـ الهام جداً ـ من زاويتها، ليس من زوايا وظائفها.. وظائف تلك الفنون. وإلا تحدث مشكلة. إعداد مسرحي مثلاً، هو مستقل بحد ذاته. له تعريفه، شروطه، بمعنى كيف ينجز ما هو دراماتورجيا هنا، هو من زاوية ربطه بصيرورة العرض: ما يصير إليه: وبهدفه.
كذلك في كل عنصر. إيضاح آخر.. موسيقا، لها خصائصها الداخلية تماماً، لكن عندما تناقش علاقة هذه الخصائص بالعرض وظيفياً.. أي ماذا تقدم له من زاويتها لينضج، ليتحقق.. وقتها، قد يكون ذلك دراماتورجيا. الأرجح أن يكون.
برأيي، بما يدفع إلى التباسات فيها، هو اعتماد شبه كلي، إن لم يكن كلياً، على تعاريف في قواميس مختلفة. بالطبع إن الالتجاء إلى قاموس ما لهام، كنت قد أشرت إلى ذلك سابقاً. أما تبني كل تعريف، هنا المشكلة.
نحن لسنا بصدد تعريف اللفظ فقط، إنما بصدد تناول مصطلح.. وجد وتطور أخيراً.. الهام ما يأخذه من محتوى. في الإنكليزية ثقافة " culture " مثلاً، لم تبق عند منشئها قاموسياً، في العربية، هذه الكلمة ذاتها، لم تبق عند معناها الأول أيضاً.
أمر آخر لا يقل أهمية عن الأول قط، هو أن يكرر ما قاله أو ما عمله آخرون في هذا المجال. أن يكرر من غير فهم أو تمثل عميقين لتجاربهم. على سبيل المثال لا الحصر يورد"غوتهولت ليسنغ" تجربته أهميتها أن ترد إلى أسبابها بالأحرى إلى ظروفها. ليسنغ ولادة ومعاشاً ووفاة من مفكري القرن الثامن عشر، قرن يعني كثيراً للبرجوازية، ولصعودها. يعني كثيراً للتجربة الألمانية ذاتها من فكرية وغيرها.. لليسنغ من حيث هو في هذا المجال، مسرحي ألماني.. وإلا كيف يفهم كتابه النقدي الشهير: "فن المسرح في هامبورغ".
• • •
دراماتورجيا بما هي عليه من علم ومن غيره، تظهر في الواقع من لبنة إخراج العرض المسرحي، الأولى: المشهد. أو من ما يعادله: الجزء. بمعنى أنها تبدأ من الفن، فن بناء المشهد المسرحي. إنها تشارك في بنائه.
هنا بالتحديد، قد يكون طبيعة عملها فهذا ما يزيل اللبس عنها، أو يساعد بإزالته. علم فتصبح أيضاً.. فناً. تماماً كما هي عملية الإخراج المسرحي ذاتها. لكن كما قلت سابقاً.. من زاويتها هي.
يتضح إذاً فيما تنجز، تظهر كما يوحى كما مر، تأثراً بعلاقات، بعلوم، بعلوم إنسانية، لما هناك من قواسم مشتركة.. نفسية، اجتماعية، غيرهما، من قواسم فيما بينها. بالوقت ذاته، تؤثر في محيط تلك البنى، أو على الأقل، هذا التأثير ما يفترض أن يكون.
• • •
ثمة مسألة ناتجة في أثناء دراماتورجيا إنجاز الإخراج المسرحي، مسألة هامة؛ ألا وهي ما إذا كان وجود دراماتورجيا، أي الذي يقوم بفعل دراماتورجيا في ذلك الإنجاز.. ضرورة أم لا، قد لا يوجد جواب قاطع حول ذلك.
لكن من خلال ضرورة دراماتورجيا أولاً؛ أعود وأذكر بما تعني باختصار شديد، من معالجة فكرية ـ فنية بآن.. لمسائل تصب في اختيار مادة العرض، في تحقيق إنجازه، في متابعة أثره بين الناس.. بما تعني في الوقت ذاته من استقلالية، وقد أشرت إليها، كيلا يختلط الأمر بينها وبين أي فن داخل الإخراج المسرحي، كإضاءة وغيرها، كما بينت أيضاً...
من خلال ضرورة وجودها، وقتها، فمن يقوم بذلك، يرجع إلى عوامل عدة. منها زمن إنجاز العرض، طبيعة مادته.. فهمها، تفسيرها. منها علاقات فريق العمل، شخصية المخرج، جهة التنفيذ. بالطبع لا يفهم من ذلك أن الدراما تورج شخص غير هام. لا أريد ذلك بأي حال.
في الواقع، إن وجوده رهن بتلك العوامل ولا سيما النفسية منها، ولا سيما الإخراجية. إني أتفاءل بوجود دراماتورج من حيث هو عمل أو على الأصح ببلورة لهذا الوجود في مسرح عربي.
من حيث هو عمل.. يساعد في إنضاج أكثر في الإخراج في هذا المسرح. ليبقى المخرج مخرجاً ناجحاً، ولا لأحد عليه أن يخاف، ليبقى كل ٌّ في عمله ينجح.