تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


سليم شاهين بين العقلنة والانفعال... اختزال تعبيري وترميزأيقوني

ثقافة
الثلاثاء 5-11-2013
أديب مخزوم

يتجه الفنان سليم شاهين في لوحاته التي يقدمها منذ سنوات طويلة ، من التعبيرية المبسطة وحوارية الايقاع الاختزالي بين الأشكال المختلفة،

الى التجسيد التفصيلي لمعطيات الايقونة ، فهو التنقل بين تشكيل عفوي محض وبين ترميز ايقوني صرف ، وهو التحول من الارتجال التلقائي في اللوحة التعبيرية الى الاداء العقلاني الهاديء والمدروس في اللوحة الايقونية .‏‏‏

ارتحال وجداني‏‏‏

يستخدم سليم شاهين ( من مواليد متن الساحل عام 1943) في لوحاته التعبيرية الأسلوب العفوي في تأليف اللوحة وتنويعها ،مع الإبقاء على الروح الشرقية، التي نلمسها في أشكال البيوت وأجواء اللباس، وهو في تنقلاته يرتكز في كل مرة على حركة عاطفية وتطلع ذاتي للوحة الفنية. وتبدو مخيلته اللونية فيها متجهة بقوة لإيجاد معادلة جمالية وتعبيرية جديدة، لما تحتويه من عفوية في حركة الخطوط واللمسات اللونية التلقائية، وهذه الرؤية المتحررة التي يعالج بها مواضيعة واشكاله الإنسانية والمعمارية وعناصر الطبيعة، أدت إلى تغيير نظرته من الواقعية نحو اضفاء اللمسة الذاتية، التي تزاوج بين الحركة الخطية كإيقاعات أفقية وعمودية ودائرية ونصف دائرية، ويبدو حتى في تشكيلاته المعمارية الهندسية، راغباً بالعودة إلى ذاته، إلى العفوية التي تقربه من العصر، فالتكوين التبسيطي الذي يعتمده هو لغة وثقافة حديثة لفن الواقع، وهو أكثر صعوبة من أبجدية النقل الحرفي لتشكيلات الواقع.‏‏‏

فالبيت الريفي، والشجرة، والشكل الإنساني، والمستطيل، والدائرة، تشكل جميعها هواجس لوحته، التي يقدمها من خلال الانفتاح على الفنون التشكيلية الحديثة، ويبحث من خلالها عن قدرات جديدة للتكوين الفني في هذا النمط من الفن التصويري، الذي يمارسه، في خطوات التشكيل والتلوين، منذ سنوات دراسته الاكاديمية في كلية الفنون الجميلة في دمشق .‏‏‏

هندسة عفوية‏‏‏

وتنقلنا لوحاته إلى الأجواء الشرقية، إلى الشمس والألوان الحارة، الأصفر والأحمر والأبيض... ومواضيعه بالتالي ترتكز على الواقع الشرقي بفولكلوره وروحانيته البارزة والكامنة في التأليفات اللونية والارتحال الداخلي الوجداني. وهذا يعني إنه في لوحاته الحديثة لا يبتعد عن روحانية الشرق أو عن الحس الأيقوني ، الذي ترك بصمات واضحة على أعماله الحديثة ، فظهرت عنده ألوان وأنوار الشرق الزاهية، ضمن لمسات تعبيرية تحمل ملامح من الاتجاهات الفنية الحديثة والمعاصرة، والهاجس الروحاني لم يغب عن أعماله الفنية الحديثة، فهو في هذه اللوحات يتعامل مع الحس الايقوني بغنائية وبشاعرية تعتمد على إبراز حركة الريشة التي تخدم تعبيرية الأشكال المصورة بعد اختصار تفاصيلها الواقعية .‏‏‏

ويركز سليم شاهين لإظهار الحركات الخطية التي تتوافق والحضور اللوني العفوي المكثف في اللوحة، بحيث تتداخل الخطوط اللونية والمساحات التشكيلية بتلقائية شديدة الحساسية وباندفاع عاطفي ووجداني ، بعيد كل البعد عن أية صيغة تسجيلية أو تزيينية أو حتى هندسية (بمعنى الهندسة المستوية أو الفراغية المحكومة بمعادلات وأرقام رياضية) فالشكل الهندسي في لوحته (اشباه المربعات والمستطيلات والخطوط المتوازية) لا يظهر إلا عبر سماكات لونية وضربات عفوية، وبذلك فهو يحرك هندسته التشكيلية من الداخل، ويقيم حواراً بصرياً عفوياً بين اللمسات اللونية شبه الدائرية أو الدائرية أو شبه المتوازية أو شبه المستطيلة.‏‏‏

نمنمة ودقة أيقونية‏‏‏

وفي جلسات عمله الطويل في مجال رسم اللوحات الايقونية ،يحافظ سليم شاهين على منهجية صياغة الأيقونة التقليدية، في تجسيد السيد المسيح والسيدة مريم والقديسين ،ضمن بناء هندسي مكون على حد قوله من ثلاث دوائر متداخلة، الدائرة الأولى، وهي الهالة التي تحيط بالرأس، لأنه يعتبر مركز الروح والفكر، والدائرة الثانية وهي التي تحدد حدود الرأس، أما الدائرة الثالثة، وهي الصغرى فمركزها جذر الأنف بين العينين، وهذه النقطة تعتبر مركز الحكمة، فالعينان مستقرتان في حدود الدائرة الصغرى، وتؤلفان مع الانف مثلثاً متساوي الأضلاع، والعينان واسعتان في غالبية الأيقونات، لأنهما سراج الجسد، في حين يتحول الأنف في الإيقونة إلى خط من نور مستقيم طويل ورفيع مضيء، يربط الفم بالعينين والفم على عكس العينين (صغير مفلق) وهو كناية عن جسد لا يحتاج إلى طعام لأنه أصبح روحاً، ومهما تعددت الأحداث يبقى الفم صامتاً على سر الله، الإذنان صغيرتان حتى الاحتجاب، ولا تدخلان إلى القلب سوى السلام الحقيقي، والشعر يتحول إلى تموجات متناسقة، تلف الوجه، وتسبغ عليه ذلك السمو النازل من فوق، أما الخلفية الذهبية فهي رمز النورانية.‏‏‏

وتبرز مظاهر التقنية النظيفة في خطوات صياغة اللوحة الايقونية، وهو يعتمد في صياغة خلفية اللوحة على مساحات من الذهب الخالص (طبقات مسطحة رقيقة من الذهب ملصقة على سطح اللوحة) و يجسد فيها الصفاء والصمت والهدوء وحالات الخشوع والتأمل.‏‏‏

وتبدو ريشته في هذه المجموعة من لوحاته عقلانية إلى أبعد الحدود تنشد الصفاء اللوني، من خلال الاعتماد على التسطيح في أغلب الأحيان مع أعطاء أهمية للتجسيد وإبراز البعد الثالث والصرامة في إبراز التصاميم والتفاصيل الصغيرة والدقيقة. كل تفصيل أو لمسة مدروسة بعناية فائقة، وهي بالتالي تعكس أجواء الصفاء اللوني والتكويني المتماسك والمعهود في الأيقونات الشرقية القديمة. حيث يستعيد ملامح الايقونة الشرقية ، ضمن صياغة تقنية مركزة، تبدو لونيتها صافية إلى درجة الإبهار، مما يرسخ الإنطباع بأن أعماله هذه المنفذة بالأكريليك تبحث عن عفوية التشكيل، ضمن أبجدية معطيات المناخية الأيقونية القديمة.‏‏‏

وسليم شاهين له مشاركات في المعارض الجماعية الرسمية والخاصة. اضافة لمعارضه المنفردة، ودوره التربوي، ولقد قام بجولات فنية اطلاعية على متاحف في فرنسا وبليجيكا وإيطاليا والمغرب العربي وغيرها .‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية