تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


جسور التواصل

مجتمع
الثلاثاء 5-11-2013
ضياء مشمش

التسامح دليل حكمة العقل والعقلانية في المجتمع، أي مجتمع، أما حب الانتقام وروح التشفي والتربص فدليل على غلبة الجهل واللاعقلانية..

وكثيراً مايتساءل الناس عن أسس التسامح؟ وكيف يمكن لمجتمع من المجتمعات تحكيم التسامح في حياته؟ كونه القيمة التي يجب أن تحكم المجتمع قبل أن نتوقع إنجاز أي شيء إيجابي وعلى أي صعيد من الأصعدة، فالمجتمع الذي تحكمه روح الانتقام لايمكن أن ينعم بالأمن ولايمكن أن يلحظ أي تنمية، لأن من شروط التنمية إيجاد الاستقرار في المجتمع، وهل يمكن تحقيق الاستقرار مع روح الانتقام؟ قبل كل شيء لابد من الإيمان المطلق بأن التسامح هو حجر الزاوية في بناء المجتمع والنهوض به، ليترسخ في عقولنا ومشاعرنا وأحاسيسنا أنه الأصل في التعامل مع الذات ومع الآخر، أقول مع الذات لأن الانتقام من الآخر يسبقه الانتقام من الذات، فالإنسان المشبع بمثل هذه الثقافة ضد الذات، كيف يمكنه أن يمارس التسامح مع الآخر؟‏

إن التسامح يستصلح من المشكلات والأزمات مالايستصلحه أي شيء آخر، ولذلك قام الأنبياء بنشر ثقافة التسامح بين الناس ليبنوا به مجتمعاً متسامحاً ومتماسكاً.‏

لاأحد يحتكر الحقيقة‏

نعود إلى السؤال: كيف نحقق التسامح إذناً؟‏

أولاً: تقاسم الحقيقة فيما بيننا وعدم احتكار أي أحد للحقيقة المطلقة، فإن احتكار الحقيقة وتصور هذا الطرف أو ذلك بأنه يمتلك ناصية الحقيقة بالكامل دون سواه، يدفعه إلى تكفير الآخرين وقتالهم وقتلهم لإلغائهم من الوجود، وهذا مانلاحظه اليوم في النهج التكفيري المتطرف الذي تتبناه مجموعات العنف والإرهاب التي تقاتل كل الناس بحجة أنهم على باطل وأن تكليفهم الشرعي يحتم عليهم قتالهم حتى يفيئوا إلى أمر الله تعالى، وأن أمر الله تعالى عندهم فقط دون غيرهم، فإما أن ينصاعوا لما يرونه من دين وتفسير وموقف وإيمان وعبادات، أو أن يقتلوا وينفوا من الأرض.‏

ان احتكار الحقيقة يخلق أجواء الانتقام في النفوس، لأنه يشيع ظاهرة السعي لإلغاء الآخر، والتربص به والتشفي منه حتى في الموت، تصور وهو الحال الذي يحكم علاقاتنا اليوم، فقد شاعت ثقافة التكفير واللعن والاتهام بالانحراف والخروج عن الجادة بين كل اثنين اختلفا في فكرة أو تفسير أو رأي.‏

ثانياً: إذا قررنا أن لانحتكر الحقيقة فسنؤمن بالآخر، وإذا آمنا بالاخر فسيسامح بعضنا البعض الآخر.‏

التنوع نعمة‏

يلزمنا أن نؤمن بالآخر كحقيقة وكأمر واقع وكمسلمة من المسلمات الإيجابية، فالتنوع سنة الله تعالى في خلقه، ليس على صعيد اللغة واللون والجنس فقط، وإنما على صعيد الدين والمذهب والفكر والثقافة كذلك، وإن التسليم بالتنوع والتعددية والاخر يشيع ثقافة التعايش في المجتمع ويلغى ثقافة الالغاء التي تحرص على الانتقام والتشفي والتربص.‏

ان الايمان بالتنوع في المجتمع لايعني احترام الاخر فحسب، وإنما يعني العمل من أجل حماية هذا التنوع، والحيلولة دون القضاء عليه، فلقد أثبتت كل تجارب البشرية، قديمها وحديثها، أن كل محاولات القضاء على التنوع تبوء بالفشل مهما استخدم فيها الإنسان من سلاح فتاك، لأن التنوع كما أسلفت سنة الله في خلقه، وهل يمكن القضاء على سنن الله تعالى، أبداً.‏

ثالثاً: القانون فإذا حكم المجتمع القانون العادل أو على الأقل مايتصالح عليه الناس، فإن ذلك يساهم في إشاعة روح التسامح والعفو ويقلل من روح الانتقام، شريطة أن يكون القانون فوق الجميع ليحقق العدالة والمساواة والانصاف أما إذا تم التعامل مع القانون بانتقائية فان ذلك يشيع روح الانتقام.‏

إن الإنسان الذي يطمئن إلى القانون, فيتيقن من قدرته على حمايته من أي اعتداء على حقوقه، وأنه سيأخذ بحقه ممن يظلمه، فانه بكل تأكيد سيسعى إلى التسامح والعفو بعد أن يتمكن من ظالمه بالقانون، أما إذا شكك الإنسان بقدرة القانون على فعل شيء إذا ماتعرض للعدوان أو حقوقه للتعدي والسحق، فإنه سيبادر إلى أن يأخذ حقه بيديه بدلاً عن القانون، الأمر الذي يشيع روح الانتقام ويحسر ثقافة التسامح( مجلس الأمن والقانون الدولي).‏

رابعاً: التطرف وهو أحد أخطر الأسس التي تبنى عليها روح الانتقام، فالتطرف في قبول أو رفض الفكرة، أي فكرة وكذلك التطرف في الحوار والنقاش، والتزمت في فرض الرأي أو رفض الرأي الآخر، إن كل ذلك يساهم في الغاء ثقافة التسامح في المجتمع، ولذلك فإن علينا جميعاً أن نعمل من أجل إشاعة وتطبيق منطق الحوار.‏

خامساً: وأخيراً، الاعتراف بالخطأ، في مقابل العفو.‏

إن كثيرين يستشهدون بتجربة جنوب إفريقيا وزعيمها نيلسون مانديلا عند الحديث عن ضرورة إشاعة روح التسامح، أو في أي مجتمع آخر يشهد تغييراً سياسياً لايختلف اثنان على عظمة تلك التجربة الإنسانية، التي علمت البشرية معنى التسامح ودوره في إعادة بناء المجتمع من جديد، إلا أن هؤلاء ينسون أو يتناسون أحد أهم الأسباب التي ساهمت في إنجاح تجربة مانديلا مع التسامح والعفو، ألا وهي اعتراف الظالم (الأبيض) بجرائمه ضد الضحية (الأسود) ثم الاعتذار منها بشجاعة أمام الملأ، وتالياً تعهده بأن لايكرر جرائمه مرة أخرى، من خلال اعترافه واستسلامه بالأمر الواقع الجديد الذي خلقه التغيير.‏

أما حكام البيت الأبيض وبعض الدول الغربية والعربية والمعارضة اللاوطنية فإنهم يمجدون بقدرتهم الفائقة على التحالف حتى مع الشيطان، كتنظيم القاعدة الإرهابي ومن يسمون أنفسهم بالسلفيين الجهاديين ( التكفيريين) للعودة إلى السلطة على حساب دماء السوريين وتدمير البلاد ونهب خيراتها.‏

ونقول أخيراً إنه يجب علينا جميعاً أن نخلق أسس التسامح في المجتمع لنساعد في إعادة بنائه، ولكن بالطريقة التي لاتأتي على حساب الحقوق، خاصة أن المجرم لم يعترف بذنبه بعد، ولم يعتذر، وهو أول حق للضحية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية