وإذا كان سقف التوقعات بانعقاده في حينه مرتفعاً، فسقف توقعات مستوى التمثيل وعدد الدول المشاركة ليس أقل ارتفاعاً . لكن سقف مستوى النتائج يظل رهناً بالوضع العربي التاريخي الناتج عن اتجاهات الريح المتباينة لدى الأطراف المشاركة.
عوامل عديدة تشير إلى أن المناخ العربي هو في أفضل الأحوال التي تدفع للبحث في المحيط العربي عن مستقبل أفضل لشعوب المنطقة من منظور قومي، كما هي الرؤية التاريخية المعلنة في كل من سورية وليبيا، ومن منظور الوعي الذي أفرزته موجات ارتداد العولمة حيث أثبتت أن التكتلات الاجتماعية الكبيرة هي الخلاص من الأزمات الاقتصادية والسياسية التي بدأت تنتجها العولمة، والدول المنفردة ليست سوى أسماك صغيرة في محيط تهيمن عليه أسماك القرش، يضاف إليها التراكم الهائل للضرر الذي أحدثته السياسة الأمريكية في المنطقة العربية بسبب انحيازها المبطن في العقود الماضية، والسافر في العقد الأخير لعدو العرب التاريخي إسرائيل. ما التبدلات التي تدفع للتفاؤل؟
- تسع سنوات من الحرب على الإرهاب أثبتت أن نظرية صراع الحضارات هي الإطار الثقافي لحرب الفرنجة بنسختها الجديدة على العالم العربي الإسلامي لأهداف استعمارية كما كانت حين أطلقوا عليها الحروب الصليبية، وكل الأوهام بصداقات تاريخية بين أمريكا وبعض العرب هي خديعة سياسية في العلاقات الدولية.
- تكشفت خديعة السياسة الأمريكية بتعهدها حل قضية العرب الأولى القضية الفلسطينية وتشددها بحصرية دورها للحل، وهو ما تأكد أنه مضيعة لوقت الخيار الدبلوماسي الذي حدده بن غوريون بدعوته للإبقاء على خيار المفاوضات دون نتيجة مئة عام أخرى .
- الدور الأمريكي الأكثر تطرفاً من الإسرائيلي بحسم الحرب على لبنان عام 2006 وغزة عام 2008 ما ينفي وجود نوايا لدى الصديق الأمريكي بالبحث عن حل عادل.
- نقل ساحة قتال القاعدة من أفغانستان إلى المنطقة العربية في العراق واليمن والصومال وغيرها بالتزامن مع احتلال العراق ما يرجح تكامل الدور الأمريكي مع دور القاعدة في المنطقة .
- تجاهل الصديق الأمريكي مبادرة السلام العربية كخيار نهائي يمثل الحد الأقصى للتنازل العربي كثمن لسلام أقرب إلى العدل وتأمين حقوق الأطراف، ويظهر هذا التجاهل بتجنب الضغط على الحليف الإسرائيلي ولو بالحد الأدنى للوصول لإشارة إسرائيلية بقبول السلام كخيار ولو بعد حين :
إذا كانت هذه هي العناوين العريضة لتحديد مستوى الصداقة ما بين بعض العرب وأمريكا، فهناك من التفاصيل ما أقنع حتى العاشقين في هذه العلاقة أنه حب من طرف واحد، وعليه البحث عن الطرف الذي يستحق هذا الحب وهو المحيط الجغرافي وأقربه العربي .
إن أكثر ما يدعو إلى التفاؤل هو اتساع دائرة الاهتمام العربي بالمصالحة الداخلية الفلسطينية.
وبقايا رهان على خيار المفاوضات العبثية للحل وهو في اتجاه التلاشي أمام الإصرار السوري على انعدام مبرراته بالتوازي مع مؤشرات قبول مصري للرؤية السورية عبر عنها وزير الخارجية المصرية بالتعبير عن بوادر تحسن العلاقة السورية المصرية، وكلما زادت علامات التقارب هذه ارتفع مستوى التوقعات لمؤتمر هو الأفضل في الشكل وفي المضمون، يزيد من حقيقة هذه المؤشرات غياب الملف اللبناني عن لائحة هموم المؤتمرين بعد استقرار الوضع اللبناني في ظل حكومة الوحدة الوطنية التي رسخت الدور اللبناني كدولة قوية وفاعلة في إطارها الداخلي ومحيطها العربي .
بناء على ذلك يمكن أن يكون الملف اليمني هو الأكثر حضوراً والأكثر إجماعاً لأولوية وحدة اليمن على أساس تذليل التناقضات الداخلية وتسوية ملفاتها لتأمين مطالب أطراف مكونات الدولة اليمنية بمعالجة صحيحة وشفافة تحقق الاستقرار الداخلي الحقيقي.
إن المراقب المنصف يسجل للدور الإيجابي السوري لتحقيق التضامن العربي في حده الأقصى الفعال والذي بدأ حراكه في جولة واسعة للدبلوماسية السورية إلى معظم الأقطار العربية في الفترة التي سبقت انعقاد المؤتمر لخلق المناخ السياسي المناسب لنجاحه .