حين تستدعي خطوات التغيير والإصلاح تجاه أي طارئ وقوداً نحو الأفضل، وتركيز تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان للعام 2009 من خلال ملحق الشباب في طبعته الرابعة لم يأت من فراغ فهو المعني إلى حد كبير مع الجهات والمؤسسات الرسمية والجمعيات والمنظمات الأهلية والوطنية لبلدان العالم بجعل الحراك المجتمعي يتناول جميع الصور وخطوطها وألوانها المختلفة والتي تعكس بذلك حجم التباينات والمفارقات التي يعيشها عالمنا المعاصر.
إذ لاتستطيع أي شريحة من الشباب في أي دولة كانت أن تنأى بنفسها بعيداً عن مخاطر محدقة أو كوارث حاصلة، من بينها الفيضانات وقلة المحاصيل الزراعية والمشكلات المتعلقة بالمرافق الصحية، لذلك اختار تقرير حالة السكان أن يسلط بقعة الضوء هذه المرة على تغير المناخ والشباب من خلال منظور ماهية الآثار المتوقعة لتبدل المناخ، وماذا يعني ذلك بالنسبة لحياتهم وسبل معيشتهم وصحتهم وحقوقهم وتنميتهم ولاسيما أن هؤلاء سيكونون بالصدارة في العقود القادمة.
في ملحق الشباب تم رصد سبعة من الشبان الذين اختبروا ظروفاً قد تزيد من تواترها وحدتها عند حلول آثار تغير المناخ على نحو واسع النطاق، أو ممّن عاشوا في وسط هذه الظروف.
فهؤلاء تشكل تصوراتهم في غاية الواقعية لما قد سيحدث لملايين الشباب خلال العقود القادمة، إذا لم يجر الحد من تغير المناخ، وإذا لم يكن هناك تصد للأسباب الجذرية لهذا التغير، فحسب المعطيات من المحتمل إلى أمدٍ بعيد أن تكون الآثار ذات الصلة من أسوأ مايمكن بالنسبة للشباب الذين يعيشون في إطار الفقر، كما أن مستوى الاهتمام المولى لاحتياجات الشباب الذين يواجهون تغير المناخ على نحو مباشر هو الذي سيحدد كيفية تطور معيشتهم.
والتقارير التي أوردها الشباب من دول مختلفة عربية وأجنبية بمثابة أمثلة لكيفية تأثر أفكار وأحلام وأعمال الشباب بتغير المناخ، حيث تم رصد الغابات والأقاليم القاحلة والشعب المرجانية والجزر القائمة بالمحيطات، ما يتطلب مساندة كبيرة لهؤلاء اليافعين وتدعيمهم فيما يسعون إليه جاهدين، من صون ثروة وتنوع كوكب الأرض لمصالحهم ومصلحة الأجيال القادمة من بعدهم.
لابد من تخفيف الآثار
لأن السكان الأكثر ضعفاً يعيشون بالبلدان النامية، فإن مناظير الفقر تعد أمراً أساسياً لدى استهداف تجهيز الشباب بالوسائل اللازمة للتكيف مع آثار التغير المتعلقة بالمناخ والتخفيف من سلبياتها، وخاصة أن الحد من الفقر وتحسين الصحة على صعيد الشباب سيقلل من ضعفهم إزاء تغير المناخ، أكد التقرير وجوب توفر شروط أساسية لإعداد الشباب، أبرزها توفير التعليم وفرص العمالة والوصول إلى الخدمات الصحية بما فيها خدمات الصحة الإنجابية، وإزالة الأضرار المحتملة.
وهذا يكتسب برأي معدي التقرير أهمية خاصة بالنسبة للشباب المقيمين في المدن، صغيرة كانت أم كبيرة، فثمة أعداد متزايدة من سكان العالم متركزة في المناطق الحضرية.
وبنيت معطيات صندوق الأمم المتحدة للسكان في هذا الجانب ضرورة مراعاة النمو وتكوين الثروات على أن يتحققا بوسائل جديدة، إذ ليس من الجائز للتنمية أن تتم على حساب تلك الزيادة المطردة في انبعاث الغازات الدفيئة، وفي حال مواصلة إحداث تغيير في المناخ من خلال الأخذ بأنماط الإنتاج والاستهلاك، التي تهيئ من نفس الانبعاثات القائمة أو تزيد منها، فإن هذا يعني احتمال تخطينا للنقطة الحرجة المتصلة بقدرات التخفيف الطبيعية والبشرية.
وفي هذا الإطار ينبغي للشباب أن يكون بوسعه الاستفادة من التقدم الحاصل فيما يتصل باتباع أساليب للمعيشة تكون أكثر ملاءمة للمناخ في جانب من مساندة تقدم التكنولوجيا.
وهنا يبرز بوضوح أهمية تسليم الحكومات وراسمي السياسات والباحثين والجهات المانحة والمنظمات الدولية بوجوب إعطاء الشباب دوراً حاسماً في ميدان التكيف مع تغير المناخ والتخفيف منه وتشجيعهم على المشاركة والنقاش الدائر بشأن موضوعي التكيف والتخفيف، على اعتبار أن الشباب هم الذين سينفذون مايتقرر اليوم، كونهم هم الذين سيعيشون في سياق العواقب الحادثة والمستجدة، مايستدعي من الباحثين أن يصوغوا بيانات وتحليلات عن كيفية تأثر الشباب وماهية الاستجابات المثلى، فأغلبية التصورات المتعلقة بالآثار لاتتعرض لإجراء تحليلات محددة بشأن الشباب.
كثـرة العدد
ولعل الأبرز الذي جرى التأكيد عليه في ملحق الشباب ضمن مؤشرات حالة سكان العالم للعام الماضي، أنه من الضروري للجهات المانحة أن تسلم أن العالم يضم اليوم جيلاً من الشباب لم يسبق له مثيل من حيث كثرة العدد، وأن تتخذ الخطوات اللازمة لاستقلال هؤلاء الشباب باعتبارهم من عوامل التغيير، وبالتالي حسب المعنيين يجب على المنظمات الدولية أن تؤيد بقوة مسألة تمكين الشباب على جميع مستويات السياسات والبرامج المتصلة بتغير المناخ.
فالجدير بالشباب أن يكونوا شبكات لهم وأن ينظموا أنفسهم لدى مواجهتهم تحديات التغيير، وفي حالة قيام العناصر الفاعلة الرئيسية في حقل التنمية بمساندة الشباب بهذه الطرق المقترحة، يلاحظ أن الشباب ذاتهم سيصبحون أكثر استعداداً للاضطلاع بدورهم وللمساهمة في الاستجابة لتغير المناخ سواء أكان اليوم أم غداً، لذا يتوجب علينا أن نعزز التزام الشباب بتلك المهمة الملحة، وإذا لم تتضافر جهود الكبار والتحرك السريع للخروج من هذه الأزمة فإن الخطر سيحدق بنا جميعاً.