بعد أن تولت شركة خاصة دراسة المخطط التنظيمي لمدينة دمشق ومحيطها.. والتخطيط الإقليمي لريف دمشق من قبل «الشركة العامة للدراسات انطلاقا من «أهمية دمشق الكبرى»!
وهذا صحيح
لكن: ما قامت به جايكا من دراسات في مشروع التخطيط والتنمية العمرانية.. هو إنجاز المرحلة الأولى ويتم حالياً إعداد الدراسة اللازمة لمنطقتي جنوب القنوات وطريق الغوطة من أجل تطوير واسع للقدرات في التخطيط والتنمية عبر التخطيط التفصيلي لمشروعات نموذجية.. وتنفيذها بالطريقة التشاركية!!
وقد تم تحديد مراحل العمل في هذه المناطق والتحضير لورشات وصياغة خطة أولية التنفيذ وإعداد دليل تخطيط التنفيذ العمراني لتقييم المشروع بشكل نهائي مع تقديم اقتراح بتشكيل مجلس إقليم دمشق الكبرى من أجل التنسيق وتقييم تنفيذ المشروعات.
ما يعنينا من هذا البرنامج الموسع لعلاقة الجهات العامة والخاصة مع جايكا : أي الشركة الأجنبية التي تدرس المكان .. هو أنها قد لا تعرف شيئاً عميقاً عن خصوصية هذا الإقليم الذي هو درة ومازال: لو حافظنا عليه!!
لقد ابتلاني الله منذ رأيت هذه المدينة وريفها دمشق الكبرى كما يقولون : لمحبتها ومحبة ريفها الجميل حتى قاتلت عنها وعن سحرها الخاص وحتى صار الزملاء والأصحاب يقولون لي: هل أنت محام عنها؟؟.. قلت: نعم.. فلهذه الآبدة سحر فريد لايتأتى لمدينة أخرى.. نعم أنا محاميها.. أليس ذلك شرفاً؟؟!!
في الذكريات القابعة في اللاوعي منذ الطفولة واليفاعة وحتى اليوم.. شاهدت ورأيت وكتبت واخترت: أوابد عظيمة لاتزال هي وغيرها من أوابد المنطقة الساحلية التي أنتمي إليها: راسخة في الوجدان.. لكن ما فعله «أيكو شار» الطيب!! في مخططه اللئيم لهذه المدينة دمشق قد فعل فعله وأكمله الأحبة التجار! حيث ذهبوا بريحها وفضلوا استثماراتهم عليها وعلى مكانة مركزها وجوانبه الحضارية.. ومركز محيطها الذي كنا أيام الصغر نعتبره موضوعا إنشائيا عاطفياً فيه من الخضرة واليناعة وحضور الأوابد والفكر الفني والثقافي ما ليس لعاصمة أخرى مثله!!
لقد أحببنا هذه المدنية- دمشق- وعلى الأخص منها منطقتها القديمة حتى تعبنا ولم أتعب وحتى غدت صليباً أحمله وأحملها فيه على كتفي صابراً ومتمثلاً قول سيد المحبة والسماح عيسى عليه السلام حين قال لمن آذوه: رب اغفر لهم إنهم لا يعلمون ما يفعلون!!
قاتل الله المال والاستثمار وقاتل تلك القلوب الصلدة التي تجد في مدينة كهذه تختصر الجمال والروعة والمياه والياسمين والألق الأبدي: مجالا للاستثمار وتنمية الأموال على حساب أوابدها العتيقة!!..فهل يضع الله وأنبياؤه سر الجنة الخالدة في مدينة كهذه: ونفرفطها نحن كيفما نشاء؟؟! ونودي بعالمها الرحب الخالد ذي الترف والنعمة الطبيعية الأبدية رغم العواصف وما آلت إليه؟؟.. نودي به إلى عالم من أبراج الإسمنت لمصلحة رأس المال الذي لا يعنيه شيء سوى نموه وطغيانه!! رحم الله الشاعر الكبير بدوي الجبل الذي فضلها على مدن الأرض جميعاً وقال:« ويا رب تدري الشام أني أحبها.. ثم ناجاها في غربته بجنيف:
خيال جلا لي الشام حتى إذا انطوى
تنازع قلبي عبرة وهموم
فقربها ما شئتُّ حتى احتضنتها
وغابت بحارٌ بيننا وتخوم
وقال:
تطوّحني الأسفار شرقاً ومغرباً
ولكن قلبي في الشآم مقيمُ
ماذا نفيد إذا كان «أيكوشار» لم يترك في دمشق القديمة بقعة ذات تاريخ حضاريّ إلا وشملها في «مخططه الطيب!!» فأحدث فيها شوارع ومنشآت تودي بها وبما تعنيه من إرث حضاري وثقافي... ليأيتنا بعده «الاستثمار العتيد!!» فيكمل الواقعة!!
لقد تضمنت الأخبار المحلية المتناقلة: أن الدراسة تْعدُّ الآن لمنطقتي «جنوب القنوات» و«طريق الغوطة» من أجل «تطوير!» واسع للقدرات في التخطيط والتنمية العمرانية عبر التخطيط التفصيلي لمشروعات أنموذجية: وتنفذها بالطريق «التشاركية»!!
أين هي منطقة جنوب القنوات؟ وأين هو طريق الغوطة؟؟... فإذا كان المقصود هو حيّ القنوات بدمشق وجنوبه فذلك يعني أن معظم الأوابد القديمة في هذه المنطقة حتى مشفى المجتهد وساحة باب مصلى: ستنعم بنعم التطوير والاستثمار!!... وإذا كان طريق الغوطة هو نفسه الذي نعرفه: فكبَّر على ما بقي هنالك من بقع خضراء لا تزال تمتص شيئاً من لهيب الصيف فتطويه بين أضلاعها الخضرا!!... نطور المنطقتين؟؟.. كيف وبأيّ أسلوب؟؟!!
إذا كان ما لعبه الفأر في عبنا هو الجواب: فلنكبر أيضاً على الثآليل الباقية من الآثار العتيقة في مدينة كان جميع ما فيها آثارياً وتراثياً.. وإذا لم يكن بد من الاستثمار فدعونا في حالنا واستثمروا في مناطق جرداء: تشجرونها وتعمرونها وتحيلونها جنات جديدة وتكفّوا عمّا تبقى من هذه المدينة.
أما الضواحي فالخير آت لا محالة إذ ستُشرد آلاف العائلات وتلغى عشرات البساتين ويرمى أصحابها في عدرا أو غيرها بعيداً عن مرابع صباهم وذكرياتهم: هذا إذا أعطوهم سكناً بديلاً!!. أما إذا لم يكن ذلك فتعود القصة من جديد إلى مخالفات جديدة وأحياء عشوائية جديدة!!..
فمدخل دمشق الشمالي أزيلت منه عشرات المنازل وتوزع سكانها في شعاب الأرض: فمن استفاد من هذا المدخل بعد تحديثه سوى أصحاب شركات السيارات؟؟!
وإذا كان الاستثمار قد يتسبب في بعض جوانبه بتشويه هوية المدينة وبأحياء عشوائية مخالفة جديدة : فسامحونا لأننا لا نحب هذا الاستثمار ونعمياته وعوضنا على الله!!..
فبالمحصلة ما هي فوائد هذه البرامج وأين هي منعكساتها الإيجابية على حياة ومستوى معيشة ومداخيل الموطنين؟!!