|
أبطال أم ضحايا؟ .. صورة نمطية لذوي الإعاقة آن الأوان لتغييرها مجتمع ينتابنا ذهول ناجم عن توقعاتنا، فنصفهم بأنهم أبطال حققوا المعجزات، وبالطرف المقابل هناك من يستحق الشفقة ونظرات العطف، بينما نتجاهل من يقفون وسط طرفي المعادلة التي تجمع النقيضين، فلاهم ضمن قائمة الناجحين المتميزين، ولا هم ضحايا، ولا حتى أسوياء.
ربما يقودنا هذا القول.. إن هناك خللاً ما في الحديث الإعلامي، وفي النظرة المجتمعية لذوي الإعاقة، تستدعي التحرك لتغيير تلك الصورة النمطية، وهذا ما عملت عليه ورشة« الإعلام وقضايا الاعاقة» التي أقامتها المنظمة السورية للمعوقين« آمال» لمجموعة من الإعلاميين. ضمن محور التدريب وبناء القدرات، وكانت بإشراف البروفيسور ريتشارد فاويلتش، المحاضر في علم التواصل من جامعة جورجيا الأميركية. اللغة باعدت بيننا وبينهم وقد رأى ويلتش أنه توجد مشكلة حقيقية في تناول موضوع الإعاقة، ومقاربة هؤلاء الأشخاص، وذلك بسبب عدم وجود تناغم أو تواصل بين المختصين أو المعنيين بها وبين الإعلاميين، وبالتالي فإن الحديث بالعموميات لا يؤتي ثماره، لذلك من المهم مراجعة موضوع التواصل وكيفية استخدام اللغة مع الأخذ بعين الاعتبار نظريات الفلسفة وعلم النفس وكيفية تطبيقها على أرض الواقع، وصياغة هذا الواقع بلغة مناسبة هو الذي يحدد كيف ينظر المجتمع لذوي الإعاقة، لأننا يجب أن ندرك أن المجتمع خلق صفة ميز بها شخصاً عن آخر، وهذه الصفة هي التي فصلتنا عن هذا الشخص. وقد تكون اللغة العربية أفضل من الانكليزية في التعبير عن موضوع الاعاقة حيث تقدم الموصوف عن الصفة، وبذلك تركز على أنه شخص جزء من المجتمع، فمن الصعوبة وصف الشخص بأنه معوق، لذلك فإن تطور اللغة قد يكون سلاحاً ذا حدين، وبالتالي يمكنها أن تساعد على التواصل الإيجابي وبنفس الوقت قد تخلق سوء تواصل، فالكلمات هي التي باعدت بيننا نحن البشر عوضاً عن أن تقرب بيننا، وبذلك فإن كلمة إعاقة التي ابتكرناها فصلت بيننا وبين المعوقين، ولذلك فإنه يقع على عاتق وسائل الإعلام مسؤولية أخذ الحيطة والحذر في استخدام الكلمات، حيث لا يمكن تجاهل الأثر الذي تتركه على المتلقين، قد لا ندرك أبعاده الحقيقية، ولكي تغير نظرة المجتمع للإعاقة ينبغي تغيير الخطاب أو اللغة المستخدمة. المجتمع وضع قيوداً ويدعو ويلتش إلى ضرورة تغيير كلمة إعاقة، وعدم التركيز والنظر إلى خصوصية الشخص، بغض النظر عن نوع إعاقته، سواء كانت جسدية قد تحد من حركته أو طاقته ووظائفه، إضافة إلى القدرات السمعية والبصرية والنطقية، وهناك الإعاقة الإدراكية التي تؤثر على الفهم والقدرة على الاستيعاب، وكذلك الإعاقات الذهنية فهناك أشخاص يؤدون وظائفهم ولكن دون المعايير المطلوبة وهذا يشمل صعوبات التعلم ونقص التركيز والإعاقات النفسية كالاتكال والوسواس القهري والقلق والاكتئاب والرهاب والإعاقات العلائقية وطيف التوحد. وهنا قد يقول قائل: إذا كانت هذه الإعاقة لا تؤثر سلباً على حياة الشخص، ويعيش حياة طبيعية كاملة، لماذا يعدونها إعاقة؟ ربما لأن المجتمع قد وضع قواعد تضبط ما يمكن الحديث عنه لدى التطرق للحديث عن ذوي الإعاقة، وما لا يجوز مقاربته، كموضوع الحب والزواج فالمجتمع فرض علينا أنه لدى الحديث عنهم علينا أن نركز على إعاقتهم وليس كأشخاص، وهذه نظرة تحتاج لتغيير جذري. الإعلام يملك القدرة على التغيير هذا التغيير جزء كبير منه يقع على عاتق الإعلام لكونه السلطة، فنحن غالباً ما نتحدث عن الإعاقة من منظور الشفقة والعطف، لذلك يلجأ البعض إلى إخفاء الإعاقة عن المجتمع المحيط به، وأحياناً بسبب وضع شروط مسبقة لتقبله اجتماعياً، لذلك علينا إن أردنا تسليط الضوء عليهم أن نركز على نجاحهم أو مخاوفهم أو حتى سعادتهم بدل الخوض في الحديث عن مشكلاتهم والبطولات التي حققوها للتغلب على اعاقتهم. وتمتلك وسائل الإعلام القدرة على مساعدة الناس على تغيير وجهات نظرهم الخاطئة من خلال الحديث عن القيم والسمات الشخصية، من خلال تكثيف الواقع واختيار ما سينقله للمتلقي، فالصورة التي تشكلت عن ذوي الإعاقة مرت عبر مراحل واستغرقت زمناً طويلاً، وتغييرها لا يتم بين ليلة وضحاها، بل يحتاج إلى انتهاج التدرج عبر خطة منسقة. كيف يحبون أن يروا أنفسهم؟ وكأي فئة اجتماعية لديهم تصوراتهم حول كيفية اظهارهم في وسائل الإعلام، وكثيراً ما ينتابهم الألم والغضب بسبب تشويههم في نماذج سلبية لا تقرب للواقع بصلة، وهذا ما يفسر شعارهم« لا شيء عنا بدوننا» لذلك ينبغي اشراكهم في الموضوعات التي تخصهم ، فهم الأقدر على مقاربة معاناتهم والحديث عن مشكلاتهم، وابداء رأيهم مهم جداً، وهذا ما يسمى بثقافة الإعاقة المستمدة من تجربة التعايش معها، فنحن عندما ننظر من الخارج قد نشعر بصعوبة العيش مع هذه التجربة، لكن ما لا نراه تلك القوة الداخلية التي تجعلهم يختبرون الحياة بشكل أفضل من الأسوياء. ويقترح ويلتش لتفادي الإساءة لهؤلاء من خلال تضخيم إعاقتهم كون الذي يكتب أو يمثل ليس عن فئتهم، أن تتم الاستعانة بالمعوقين على اختلاف نوع اعاقتهم لتمثيل هذه الأدوار وخاصة في المسلسلات الدرامية، لأن الأصحاء قد يرتكبون أخطاء في تصوير اعاقتهم لتبدو وكأنهم بحاجة للتصليح ليبدون بشكل أفضل، وهذا ما لا يشعرونه بأنفسهم، وتجسيد الأشخاص ذوي الإعاقة وإظهار قصص النجاح التي تخصهم نابع من اعتقادنا الراسخ بأننا نعتبرهم ناجحين إذا تغلبوا على هذه الإعاقة، في حين هم يعتبرون هذا الشيء طبيعياً وضمن مسار حياتهم كأي شخص عادي يحقق نجاحاً، وبذلك يركز المجتمع على إعاقتهم أكثر من التركيز على أدائهم. الحديث عنهم وليس عن إعاقتهم لا يمكن نكران أهمية قصص النجاح في حياة أي شخص ولكن بالنسبة لذوي الإعاقة لابد من طرح هذه القصص كأي شخص عادي، والحديث عنهم وليس فقط قصص نجاحهم. وبرأي ويلتش أنه لإظهار قضية الإعاقة بالإعلام بطريقة ملائمة ينبغي الحذر في استخدام الصورة والكلمة، ولذلك نحن لا نستطيع التعويل على جهات محددة، وعلينا كإعلام فعل شيء وعدم انتظار أحد، كما ينبغي التواصل مع مجتمع ذوي الإعاقة، والتعاون معهم لمعرفة ما يحتاجون وتوظيف طاقاتهم بما يخدم قضاياهم، وعند الحديث عن الإعاقة قد يكون من الأهمية بمكان اتباع أدبيات خاصة لمعرفة ما يقال وما لا يقال، فهناك الكثير من الكلمات الشائعة التي تسيء إليهم ولها دلالات سلبية فيقال: عاجز، أعمى، أخرس، أطرش، مجنون، وبالنهاية نحن نعيش في عالم من الكلمات، وعلينا معرفة كيف يحبون أن يخاطبوا ويشار إليهم في وسائل الإعلام دون المبالغة في تسليط الضوء على إعاقتهم. متى سنبدأ؟ ولتغيير النظرة المجتمعية لقضايا الإعاقة، لابد أن يؤمن المجتمع بذلك، وهذا يقع على عاتق الإعلام بأطيافه كافة، وغالباً ما سيواجه الناس هذا التغيير بالرفض لأنهم لا يحبون تغيير آرائهم وقناعاتهم بسرعة، ولكن بالتدريج، قد تستغرق عملية التغيير هذه سنوات عدة، ولكن إن لم نبدأ اليوم فمتى سنبدأ؟ فهم بالنهاية جزء من مجتمعنا لا يمكن تجاهله أو غض الطرف عنه، هذا إن عرفنا أن 10٪ من سكان الكرة الأرضية هم من ذوي الإعاقة لذا ينبغي التحرك بسرعة...!!
|