حلبة مصارعة
كأن يتم ترك الطفل أمام برنامج تلفزيوني يتضمن حلبة مصارعة ,أو أفلام كرتون من الملاحظ أن وجوه أبطالها ترعب حتى الكبار وترسم بمخيلة الطفل صورة ايجابية للعنف , سيتسمر الطفل أمامها لساعات لكن ؟ ما الذي سيحدث بعد ذلك ؟ وكيف سيكون الحال مع تكرار هذه المشاهدات التي باتت تفرض نفسها بشكل دائم تقريبا ؟
جولة في المكتبات
ربما كانت المكتبات هي مشعر هام عن ميول و توجه السواد الأعظم من الأطفال و المراهقين , خاصة تلك المكتبات التي تتواجد بالقرب من المدارس فصاحب مكتبة ألوان في جرمانا حي القريات السيد هيثم أديب أكد أن أول ما يطلبه 80 % من الطلاب قبل الدفتر و القلم هي صور باتيستا و تربل ايتش و أندر تيغر و الصخرة روك و ريما ستريو و جون سينا و هم مجموعة من المصارعين الذين يتابعهم الأطفال بشغف كبير و ينزعجون كثيرا إذا أتوا للمكتبة و لم يجدوا صور أحدهم و لا يظنن أحد أن طلب هذه الصور يقتصر على الأطفال الذكور بل إن الإناث خاصة بين عمر 12 – 16 سنة يعرفن أسماء هؤلاء المصارعين و يتابعنهم أكثر من الذكور في بعض الأحيان
مسلسلات تركية
أما مطلبهم الثاني كما يقول السيد هيثم فهو صور ممثلي المسلسلات التركية الحاوية على العنف بشتى أشكاله المختلفة من العراك و الضرب مثل مسلسل وادي الذئاب ( مراد علم دار وميماتي و عبد الحي ) و دموع الورد ( عمار الكوسوفي ) ....., ولا ننسى هنا صور الملاكمة وأفلامها التي يطلبها الصغير قبل الكبير
البطل الخارق
أول ما يستهوي الطفل و المراهق عندما يريد شراء أي شيء من مكتبتنا هي صورة البطل الخارق كما يؤكد السيد ياسر مصطفى صاحب مكتبة الصداقة في قدسيا و يقول : الأمثلة على ذلك كثيرة أبرزها سبايدرمان وسوبرمان و باتمان ووصل حب الطفل لهذه الشخصيات درجة بات يريد معها أن تكون أقلامه و دفاتره و ألوانه و حقيبته و ألعابه عليها رسوم هؤلاء الأبطال المفرطون ن بالقوة ويضاف إليها صور المصارعة بشتى أنواعها .
محطات خاصة للأطفال
و يعتقد السيد مرشد أحمد صاحب مكتبة و سي دي في مزة جبل أن الدور الأكبر الذي يلعبه الإعلام في ترسيخ العنف من خلال المحطات الخاصة بالبث للأطفال باعتبارها تهتم لأمرهم. فما تطرحه من أفلام يثير رعب الكبار و ليس الصغار فقط حيث يتم طرح البرامج التي ترسخ الأفكار المشجعة على العنف بصورة غير مسبوقة وقول : لا بل و أحس بأنهم يتلاعبون بالأطفال بشكل تام حيث يربطون بين ما يعرضونه و ما يطرحونه في محالهم التجارية بحيث يصبح حصول الطفل على الفيلم أو اللعبة التي أنتجوها على شاكلة ما قدموه في المحطة أمر واقعاً و إلا فان الطفل سيقيم الدنيا و لا يقعدها و تتأجج مراحل العنف عنده ليصبح حضور و اقتناء ما لديهم لا بد منه .
العنف وليد الإعلام
و يعتقد السيد عبد الرحمن المصري صاحب مكتبة جملة في المسكية أن الذي يساعد على ترسيخ العنف على نطاق واسع هو الدور التجاري الذي يلعبه الإعلام فاليوم الذي تعرض فيه محطة معينة نوعيات خاصة من الأفلام التي تحمل العنف تجد أصحاب المكاتب يأتون إلي في اليوم التالي مطالبين بصور و ملصقات و سي دي و بروشورات لنفس ما تم عرضه ؟؟ إذ لم يعد يهم الإعلام سوى الجذب و التأثير مهما كانت ضريبة هذا التأثير مدمرة مع الزمن , فما يتم تقديمه من مشاهد عنف تداعب خيال الطفل من خلال تقديم جرعات متزايدة رويدا رويدا من العنف و الإثارة يشجع الطفل و المراهق على محاكاتها و الاقتداء بها خلال ممارساته اليومية , و ليته يقتدي بها بشكل عقلاني , فكما هو معروف الأطفال أفضل آلات تسجيل لكنهم أسوأ مترجمين حيث يعبرون عما يستقبلونه من عنف بغير المكان و الشكل و المضمون الذي يجب أن يكون عليه .
1200 طفل
و في دراسة ميدانية أجراها الدكتور ياسر صافي علي رئيس اتحاد الأطباء الشرعيين في الوطن العربي , حول العنف عند الأطفال و تأثيراته المدمرة على حياتهم و قد شملت العينة المدروسة 1200 طفل من مختلف المحافظات السورية أعمارهم بين 10 – 18 سنة أن 62 % من الجرائم التي يرتكبها القاصر مردها إلى تأثير المشاهد التلفزيونية و عروضه المثيرة للأبطال الخارقين و لأشكال الجرائم المختلفة بشكل مشوق مع إضفاء شكل البطولة على القائمين بها أو مرتكبيها ,ليصبح المجرم بطلا بحسب الصورة التي يظهرونه فيها
ليست مجرد أرقام
و يؤكد الدكتور ياسر في هذا السياق قائلا : كما إن المشكلة هنا تتعدى كونها مجرد أرقام و إحصائيات بقدر ما تتحول بالتدريج إلى مسألة تأثير ذهني للسلوك الخارج عن القانون مع التشجيع و التحفيز لانتهاج مبدأ العنف لحل مشكلاته أو حتى لمجرد التباهي و الرغبة في إثبات الذات فالطفل الذي يتشرب العنف ويستقبله في أعماقه دائما يكون في عجلة من أمره و مستعداً للتصادم و الاندفاع و اختلاق المشاكل مع الآخرين و الأكثر من ذلك أن هذا المبدأ السلوكي يصبح حقاً مكتسباً يمثل بالنسبة لهم إحدى القيم التي تعلي من شأن صاحبها و تجعله يشار إليه بالبنان و أن التخلي عنها يستوجب اللوم و يجلب العار
معظم النظريات و الأفكار المطروحة ترى أن العنف جاء ليبقى و يستوطن في عقول الأجيال الناشئة و ليس هناك من احتمال للحد منه إلا بظروف استثنائية كما يرى الصافي و يتابع : ربما كانت نقطة البداية للحد من تأثيراته السلبية من خلال الرغبة الحقيقية عند عموم الأهل و المربين للتقليص من العنف قدر الإمكان أما فكرة القضاء عليه نهائيا فهي فكرة مستهجنة من الجميع ويرون أنها من سابع المستحيلات لا بل و يرى البعض أن أشكال العنف ستزداد و تتطور بصورة لم تكن معروفة من قبل
من جانب آخر يرى الصافي أن هناك من يرى الحالة ليست على هذه الدرجة من السوء فهناك ذخيرة توعوية مناوئة للعنف قادرة على الحد من تأثيراته المتزايدة والمتعاظمة إذا ما تم توجيه تلك الذخيرة و الاستفادة منها بالشكل الأمثل إضافة إلى ما نشهده من تطور تعليمي واعٍ يركز على القيم النبيلة في الإنسان انطلاقا من نشأته مرورا بفترة الطفولة و المراهقة و حتى مرحلة النضج
نظرة للمستقبل
كل ذلك يضعنا أمام مجموعة من الأسئلة و المسؤوليات عما إذا كان الوضع سيبقى على ما هو عليه مستقبلا و يتابع الصافي قائلا : هل سيتم ترك الأطفال و المراهقين أسرى لهذه الأشكال المختلفة من العنف التي تجعل دماغ الطفل يعيد تدويرها و التفكير بها و تصبح أسيرة أحلامه ورؤاه و شغله الشاغل الذي يحتل المرتبة الأولى من اهتماماته كما يرى اختصاصي علم النفس الدكتور كمال شعبان, ويضيف: قد يكون العنف الذي يطرحه الإعلام مؤثراً بشكل كبير على الأجيال الناشئة و لكن هناك دور لعلاقة الأبوين مع بعضهما و كيفية معالجتهما للقضايا العالقة بينهما
تغيير الأوضاع
الأمر يحتاج بشكل عام لبذل الكثير من الجهود من أجل تغيير الأوضاع المتردية و التي تدعو لليأس و الإحباط و القنوط و التي بدورها تدفع لانتهاج العنف أسلوبا و طريقة لمعالجة القضايا المختلفة و التي يرى إبراهيم عبد الكريم الحسين (كلية التربية جامعة دمشق صاحب كتاب 14 خطوة ذكية للتحول من المدرسة التقليدية إلى مدرسة الجودة) أن أبرزها نوع التربية و التعليم و التنشئة التي يخضع لها الطفل و المراهق مع دراسة المؤثرات التي تجعله أسيرا للعنف و خاضعا لآثاره عليه
الرغبة في التحدي
و يضيف الحسين: خصوصاً فيما يتعلق بوسائل الإعلام فالاعتماد على القوانين و التشريعات لن تجعل العنف يختفي من عقول الأطفال و ممارساتهم و تصرفاتهم اليومية بل إن الحلول القانونية في حالة مثل العنف ستعطي مفعولا مترديا و إمعانا بالعنف كل ذلك سيكون دون أدنى شك ناتجا عن الرغبة في التحدي و دليلا من الأدلة التي تفرز العنف و هي إثبات الذات أو القول بطريقة أخرى ( هو عنيف إذاً هو موجود )
و يجب أن تكون عملية التوعية مستمرة و مستدامة كما يوضح الدكتور ياسر كما يجب أن تكون هادفة ذات أطر و مبادئ و خطوات واضحة مع تحديد النقاط التي ستتم معالجتها في كل مرحلة عمرية مع انتهاج مبدأ الحوار أساسا لكل المراحل.
الغرب يصدر العنف
هناك هوة كبيرة بين المبادئ السامية التي يطرحها الغرب على الورق في اجتماعاتهم و التي تنادي بنبذ العنف و بين ما نراه و نلمسه من وقائع حية على أرض الواقع هذا ما يوضحه الدكتور عادل مرهج المتخصص بعلم المشورة أو كما تسمى بالانكليزية كوسلينغ الذي يدرس بجامعة أكسفورد البريطانية وقد حضر إلى بلده الأم سورية بعد 16 سنة من الغربة و يضيف قائلا : الغرب يصدر العنف و خير دليل على ذلك أن معظم الشخصيات الخارقة و المشاهد المولدة للعنف التي يتعلق بها الأطفال و المراهقون مصدرها الغرب
كما يطلقون من خلال ذلك رسائل تدعم فكرة مواجهة العنف بالعنف المضاد رغم ما يحمله هذا المبدأ من مفارقات كما يرى الدكتور مرهج أن العنف في بعض النواحي المحدودة قد يصبح ايجابيا و لكن الخطورة فيه هو أن يتحول إلى منهج حياة كما هو الحال في معظم الأمثلة التي نحتك بها و نلامسها في الواقع , حيث تصبح تداعياته و تأثيراته السلبية على العلاقات بين الطفل و أقرانه ذات صور مؤلمة و صعبة و تزداد وطأة مع مرور الزمن
مادة الأدرينالين
تعتبر مادة الأدرينالين التي توجد داخل الجسم البشري ذات دور سمي فيما لو أفرزها الجسم بحالات العنف و العصبية حيث ينصب تأثيرها و أذاها في المعدة هذا ما توضحه الدكتورة سلوى الأسمر الاختصاصية بالأمراض الداخلية و تؤكد قائلة : هناك أمراض عديدة تنجم عن السموم التي يطرحها الجسم جراء تعرضه للإثارة الناجمة عن العنف
و تضيف الدكتورة شيخ حسن : قد يعتقد الطفل أو المراهق أو حتى البالغ أنه بحنقه أو غيظه أو التعامل بعنف مع غيره أنه بهذه الأفعال قد يلحق بالآخرين الخسائر المحتملة التي يتوخاها وهي أشياء غير مضمونة الحدوث للند أو الطرف الثاني لكن الأمر الأكيد أن الضرر الذاتي الذي سيلحقه الشخص بنفسه سيكون كبيرا و مضمونا بكل تأكيد وهو ذو أثر تراكمي لا تتكشف نتائجه إلا بعد زمن قد يبدأ بالشعور بالحموضة و التشنج المعدي ويصل للقرحة المعدية و ....