يثق بآراء الأطباء وإرشاداتهم الوقائية وخبرتهم المهنية المستندة إلى العلم والتجربة والخبرة في شفاء زوار عياداتهم، ولطالما جادلهم بحدة وناقشهم بإسهاب، حول إصابته المزمنة بالتهاب حاد في المصران الأعور، فيدهشون ويتلعثمون لثقافته الطبية الواسعة، وتتبعه الجديد عن هذا المرض في عالم الطب، ولاغرابة في ذلك، فقد تتبع طبيعة مرضه وأعراضه وكيفية علاجه في المؤلفات العربية والأجنبية.
لكن- للأسف الشديد- فإن الأمر برمته خرج عن سيطرته، بعد إصابته بضعف في دقات القلب التي تقول: «إن الحياة دقائق وثوان».
لم ينتبه إليه، لاعتقاده أن أوجاعه المبرحة، ناتجة عن المصران الأعور وجهازه الهضمي..
كان يومه الأخير في الساعة الثانية من صباح 13 آذار عام 1964، إذ نهض من فراشه واتجه دون أن يستند إلى الجدران، كعادته في شهوره الأخيرة، إلى دورة المياه، ثم ذهب إلى مكتبه وأتى بالقرآن الكريم المذهب ووضعه على الوسادة تبركاً به، بعدها جلس على المقعد الوثير القريب من السرير، وأمسك بقلمه محاولاً أن يكتب وصيته الأخيرة، أو فكرة راودته، لكن يده ارتعشت بشدة، فسقط القلم والورقة في حضنه، وتمددت ساقاه عفوياً تحت السرير، حيث يخفي أحذيته لكيلا تضيع، ووضع يده على خاصرته اليسرى، ومال بثقل جسمه إلى اليسار بصورة مباغته، ما أدى إلى ارتطام يده مع زجاجات الدواء التي كان يصفها لنفسه دون استشارة طبيب، فسقطت على الأرض محدثة ضجة في هدوء الليل وسكينته، تناهت إلى آذان أولاد شقيقه، فسارعوا إلى غرفة العقاد لمعرفة حقيقة الأمر، ولاسيما أن صحته قد تدهورت في الأيام الأخيرة، وبات رحيله مؤكداً.
وتقدم عامر العقاد منه وألقى نظرة عليه فوجده يعاني صعوبة في التنفس، فأسرع إلى الهاتف واستنجد بجارهم الطبيب، الذي نصحه أن يعطيه حبة منشطة للقلب، وبعد دقائق دخل الطبيب إلى غرفة العقاد الذي ارتسمت على وجهه ابتسامة شاحبة، وبعد ثلاث دقائق خرج الطبيب من غرفته وهو يجهش بالبكاء قائلاً: البقاء لله.. لقد مات الأستاذ الكبير.