فلم يكتف هؤلاء بتقزيم الصراع على أنه «نزاع» بين الفلسطينيين والصهاينة على حدود وتشويه تاريخ فلسطين وتدمير معالمها الحضارية العربية بل وصل الأمر إلى محاولة إنكار وجود شعب عربي فلسطيني فيها وحرمانه من العودة إلى دياره المغتصبة.
ولقد حاول الكيان العنصري الصهيوني بذل كل ما في وسعه مدعوماً من القوى الرأسمالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب الكثير من الدول الغربية لإقفال ملف اللاجئين وحقهم في العودة وذلك منذ تكونت هيئة التوفيق الدولية عام 1949 لتحقيق «التسوية» بتنفيذ قرار حق العودة دون شروط.
حيث عمل هذا الكيان المستحيل لإفشال المفاوضات وذلك بالمماطلة والتسويف وإدخال موضوعات أخرى مثل: ضرورة الاعتراف بالكيان الصهيوني وتعويض اليهود العرب، واستهداف الكيان الصهيوني بمشاركته في العدوان الثلاثي من بين استهدافات أخرى كقضية حق العودة.
فمنذ عام 1948 وقبله بسنوات والشعب العربي الفلسطيني يتعرض للتهجير واحتلال الأرض ويبرز اليوم أحد أبرز عناصر تلك القضية ألا وهو قضية اللاجئين الفلسطينيين عنها التي ما زال السجل الفلسطيني والعربي عن هذه القضية ضعيفاً جداً.
حيث تم توثيق نزوح أهالي /531/ محلة سكنية سواء كانت مدينة أم قرية أم قبيلة عربية وتشير الإحصاءات إلى وجود عدد من اللاجئين بنحو 547595 لاجئاً في الخارج.
إن ماكينة العدو الصهيوني الإعلامية والدبلوماسية تخطط لتجاهل تنفيذ قرار حق العودة وتريد إبرام تسوية عبر التعويضات يدفع تكاليفها المجتمع الدولي والدول العربية كما يسعى هذا الكيان إلى ربط حق العودة للاجئين والتعويض عليهم مع ما يدعيه من حقوق اليهود الذين نزحوا من الدول العربية ويطالب بتعويض هؤلاء بأرقام فلكية.
وكما نعلم أن الحق في العودة والتعويض هو حق قائم للاجئين الفلسطينين وعلى الكيان الصهيوني الالتزام به مباشرة وليس لدى أي دولة عربية أو أوروبية حتى تجوز فيه المقايضة.
ثم إن هجرة اليهود من البلاد العربية قد تمت في تاريخ لاحق لتهجير الفلسطينيين وطردهم وليس قبلهم أو معهم وهذه الهجرة اليهودية قد أشرفت عليها ونظمتها الصهيونية وقد خرجوا بإرادتهم وليس نتيجة الهروب من الذبح والقتل كما جرى مع الفلسطينيين.
فالصهيونية تعمل على إبادة الشعب العربي الفلسطيني تاريخاً وحضارة ووجوداً ولكن الشعب العربي الفلسطيني صامد وسيقاوم كل صلف وهمجية الاحتلال وسينتصر.
إن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم هو حق ثابت غير قابل للتصرف وقد ضمنته الأمم المتحدة والتزمت به وأكدته منذ عام 1948م بموجب القرار رقم /194/ ذلك القرار الذي أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة بعد سنة وهذا الحق ضمنه القانون الدولي العام والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
حيث إن ممارسة الفلسطينيين لحقهم في العودة هو ممارسة سياسية لحق وطني يؤلف جزءاً لا يتجزأ من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
والعودة واجبة مهما بلغت قساوة العيش في ظل سيطرة العدو المحتل وحق تقرير المصير ملازم لحق العودة.
وإن حقوق اللاجئين يجب أن تعالج ضمن إطار الحقوق الوطنية ولا سيما أن جوهر مشكلة فلسطين يكمن في طرد سكانها وتوطين غرباء مكانهم.
إن قضية اللاجئين وقضية عودتهم تمثل أحد أبرز القضايا الرئيسة لقضية الصراع العربي الصهيوني منذ قيام الكيان الإرهابي على حساب الأرض والإنسان العربي الفلسطيني وقد اتخذت قضية اللاجئين وحقهم بالعودة نقلة نوعية منذ انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة بسبب كونها أولاً ثورة أي ثورة اللاجئين في الشتات وثانياً انتقالها من دائرة الحلم القومي إلى صميم المشروع الوطني التحرري.
ومن المؤسف حقاً والمثير للريبة أن الموقف الصهيوني من اللاجئين أصبح يلقى استجابة من بعض الحكومات العربية التي لا تملك أصلاً حق التصرف بحقوق اللاجئين.
إن هذه الاستجابة من شأنها أن تنشر الإحباط واليأس بين صفوف اللاجئين، وهذا الاحباط تغذيه الدعاية الصهيونية والدوائر الغربية.
حيث كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن «التعويض» كبديل عن حق العودة وهذا من أخطر الأمور التي يتعرض لها حق العودة.
وهناك خطأ فاحش أشيع بين صفوف اللاجئين تفسيراً للقرار 194، هذا التفسير يقول: إما العودة، وإما التعويض في حين أن القرار صريح ويقضي بالعودة والتعويض معاً ثم وللغرض ذاته قدمت تهديدات وإغراءات للدول المضيفة للاجئين، إما بخلق توترات سياسية واجتماعية، وإما تحسين أدائها الاقتصادي وتقديم المساعدات المالية لها، وبعد فإن العدو الصهيوني يعد المعونات الدولية التي تقدم «للسلطة الفلسطينية» جزءاً من التعويضات ولا أحد يعلم الشروط التي تقدم في إطارها هذه المعونات.
بالإضافة إلى تسويق بدعة استحالة تأمين حق العودة، وذلك لدفع اللاجئ للاستكانة واليأس والأمل بتعويض مناسب مقابل التنازل عن وطنه ودياره وأرضه.
على أي حال مهما عربد الصهاينة وحلفاؤهم الإمبرياليون فإن شعبنا العربي وقواه الوطنية والقومية المقاومة تؤكد أنه لا يمكن لأي قرار مهما كان وعن أي جهة صدر أن يلزم الشعب العربي الفلسطيني وخاصة اللاجئين بأن يحرمهم حقهم في العودة إلى وطنهم.
إن قضية اللاجئين وحقهم المشروع في العودة تتسم بالفرادة والخصوصية لأنها تمثل أحد العناصر الجوهرية للقضية الفلسطينية، وقد احتلت هذه المسألة أهمية كبرى في الفكر السياسي العربي عامة والفلسطيني خاصة.
وأحرار الأمة العربية اليوم أشد تفاؤلاً بانتصار الحق العربي وزوال الاحتلال متمسكاً بخيار المقاومة والصمود ورفض كل الحلول المفرطة بالحق والأرض وهنا نذكر بقول القائد الخالد حافظ الأسد لأبناء الأمة العربية عامة والفلسطينيين خاصة:
«أكملوا الطريق ولا تصغوا إلى كلام يائس أو وشوشة مهزوم أو صرير مستسلم أو فحيح متواطئ هؤلاء لا يقاومون العدو لأنهم يخافون الشهادة فهم يريدون من النفوس أن تحمي العروش إنهم يحفظون النفوس لكسب العروش وهؤلاء هم الخاسرون ولا علاقة لهم بالخلود وأمتهم منهم براء فطريق الشهادة هو طريق النصر والخلود خلودنا شعباً وأمة وأفرداً».