من حوله بأفكارهم وسلوكهم وتصرفاتهم وثيابهم وغير ذلك. وهذا يساهم في قبوله في الجماعة التي ينتمي إليها ويعزز مكانته فيها، ويتعبر ذلك نوعاً من التكيف الاجتماعي الناجح.
والطفل أكثر تأثراً من البالغ الراشد وهو يقلد أكثر لأن معلوماته وخبراته قليلة، وعندما يكبر فهو يصبح أقل تأثراً وتقليداً وأكثر تأثيراً واستقلالية.
فنرى الطفلة الصغيرة تقلد والدتها بانتعال الكعب العالي وحمل حقيبة والدتها وارتداء شيء من ملابسها أو استعمال أدوات المكياج أو نراها تقلد معلمتها بأن تضع ألعابها وتكلمهم كما تكلم المعلمة طلابها..
والتقليد بالمعنى المرضي يعني التأثر الشديد بالآخرين، والبحث عن تقليدهم في الملبس والشكل والهيئة وطريقة الكلام، وفي المسكن والمشتريات وغير ذلك دون أن يكون في ذلك مصلحة حقيقية أو نفع أو ملائمة لشخصية الانسان وظروفه الخاصة.
تقليد النجوم..
والتعلق بالنجوم والأبطال ظاهرة اعتيادية في مرحلة المراهقة... وتختلف المجتمعات في نجومها وأبطالها وفي صفاتهم وسلوكهم... والتعلق يرضي حاجات نفسية عميقة ترفع من قيمة الذات وتشعرها بالقوة والرضا... والقدوة الحسنة مطلوبة دائماً... ولابد من الاختيار الناجح للنجوم والأبطال وللقدوة الحسنة..
ومثل ذلك تقليد شخصية مشهورة فمثلاً يقول محمد النابلسي أنه من أشد المعجبين بالفنان تامر حسني ويحاول دائماً تقليده في اللباس وقصة الشعر لكي يلفت إليه انتباه الفتيات... أما نايا عيسى فتقول بأنها تبذل جهوداً كبيرة في تقليد إحدى الفنانات المحبوبات جداً من قبل أغلب الشباب لأصبح شبيهة بها من حيث المظهر ، وهؤلاء الشباب يحاولون التقليد فقط من حيث الشكل ودون الوصول إلى المضمون الإيجابي والمفيد لتلك الشخصية لأنها تفتقد ذلك أصلاً..
وكثير من يسعى وراء الموضات والمظاهر والتقليد وهم يظنون أنهم أصبحوا أحسن حالاً وأنهم امتلكوا النجاح والمنزلة والشهرة... ولكنهم في الحقيقة يتعلقون بقشور وأوهام ويضيع منهم الجوهر والمضمون، مما يجعل معاناتهم مستمرة.. وهم لا يشعرون بالرضا الحقيقي عن أنفسهم وظروفهم.
وعادة يقلد الأضعف الأقوى ويتأثر به كما يقلد الصغير الكبير، لأنه يشعر بالنقص والضعف ويتمنى أن يتخلص من ضعفه ونقصه من خلال التشبه والشبه... ويحقق ذلك درجة من الرضا والاطمئنان المؤقت..
دافعاً للجد
وفي الجانب الآخر يمكن أن يكون التقليد دافعاً للجد والتحصيل واكتساب المهارة والقدرات...
وفي ذلك دفع إيجابي وطبيعي ومطلوب... والانسان يسعى للأفضل والأحسن دائماً... ولابد من التفريق بين التقليد الأعمى، وبين الوصول إلى المضمون الأقوى والأنجح من خلال الجد والتحصيل والعمل... تقول السيدة جيهان الشامي أن ابنتها تطمح أن تكون مراسلة صحفية منشدة إعجابها بإحدى المراسلات في قناة فضائية وفي وقت فراغها تدخل غرفتها وتقوم بالتدريب وقراءة الأخبار في الصحف الرسمية وأنا أتوقع لها مستقبلاً في هذا الشأن.
ويلعب الحسد والتنافس دوراً مهماً في التقليد حيث يقلد البعض أعمال الآخرين الناجحة ولكن بشكل مزيف... لأنه لا يمتلك جوهر النجاح من حيث الموهبة والدأب والمثابرة والإمكانيات ..
ثقة بالنفس..
البعض ممن هم في مرحلة الشباب يشعرون بثقة كبيرة في أنفسهم ويرفضون تقليد أحد.
يقول وائل مهنا: أنا لا أحب أن أقلد أحداً، أحب أن يكون لي شخصيتي المميزة والتي يسعى الآخرون لتقليدها، أحياناً أرى أصدقائي يقومون بتقليد شخصية معروفة من أجل أن يلفتوا نظر الفتيات فأقابلهم بالسخرية. وفي نفس السياق تقول نائلة حسن: أحب التقليد ولكن ليس التقليد الأعمى الذي أراه عند صديقاتي فأنا أحب أن أكون مميزة بشخصيتي وعندما أقلد أحداً يكون بشكل إيجابي ولأسعى نحو الأفضل والأحسن دائماً..
شخصية المقلد
يصف علماء النفس بشكل عام شخصية المقلد بأنها تشكو من النقص وعدم الثقة بذاتها... ولا يمكنها أن تحقق ذاتها وأن ترضى عنها من خلال أعمالها العادية وسلوكها واستقلاليتها وإنتاجيتها.. وهي قلقة وغير مستقرة وتبحث عن ذاتها من خلال الآخرين فقط... وليس باستطاعتها أن تنظر في أعماقها لتكتشف مواقع القوة والضعف بل تهرب إلى التفكير السطحي والكسب السريع والإطراء من الآخرين ... كما أنها أقل نضجاً وتماسكاً وفعالية... وهي تتأثر بسرعة وتتقلب وتفتقد إلى القوة الحقيقية والعمق والنجاح...
وأخيراً...لابد للانسان من أن يبحث عن ذاته وأن يفهمها ويطورها ،يغنيها بما يناسبها من خلال الجد والكفاح والطموح والتحصيل في كافة المجالات المفيدة والبناءة بعيداً عن التقليد السطحي وعن القشور.