فمنذ زمن ليس ببعيد بدأت دبلجة المسلسلات المكسيكية، فوقف المشاهد مذهولاً أمام أناس يختلفون عنه تماماً شكلاً ومضموناً لكنهم يتكلمون لغته العربية.
وأصبح الحديث الأبرز في معظم الجلسات الاجتماعية وخاصة «النسائية» هي الرومانسية المكسيكية المتجسدة بتلك الحسناء منكسرة القلب والفؤاد وذلك العاشق الوسيم ضمن متاهة ندخلها معهما ولا نخرج منها إلا بعد 190 حلقة، أي بالمقابل 190 يوماً من حياتنا وعلى الفاضي.
لكن مع مرور الوقت وانتشار المسلسلات المكسيكية على الفضائيات بمواضيع ونسخ مكررة بدأ الملل يتسلل إلى نفوس المشاهدين إلى أن هجروا كل ما هو مكسيكي.
ومرت الأيام بحلوها ومرها ليعود التاريخ ويعيد نفسه من جديد مع دبلجة المسلسلات التركية، فقلنا إنها ليست سوى سحابة عابرة كسابقتها.
وما يبدو الآن أنه ليس في الأمر مزاح فقد أصبحت المسلسلات التركية تضاهي الدراما السورية والعربية بمتابعيها وعشاق أبطالها حتى استطاعت أن تصنع لنفسها مكاناً بيننا وتجذب اهتمام الإعلام وصولاً إلى إطلاقها قناة تركية فضائية باللغة العربية.
وهنا انقسم المشاهدون بين مؤيد ومعارض، فبعضهم يرى أنه انفتاح على الآخر، والبعض الآخر يرى أنها قرصنة ومحاولة فرض ثقافة معينة ومجموعة أخذت على عاتقها البحث بأسباب انتشار المسلسلات التركية الذي أرجعته للهجة السورية المحببة، أو لقرب الأتراك بعاداتهم وتقاليدهم منا كعرب.
والطرافة في الموضوع.. أننا وفي عز المعمعة الإعلامية ما بين التأييد والرفض توالت الدبلجة لتشمل السينما الهندية، فرأينا أفلاماً هندية باللهجة الخليجية ومدى ظرافة جميلات الهند وهن يتكلمن بالخليجي على قناة /Mbc max/ وثم المسلسلات الهندية «كمسلسل كاميني وداميني» والمدبلج باللهجة الأردنية ويعرض على LBC الفضائية.
وصولاً إلى الأفلام الأجنبية الهوليوودية ومنها حاصلة على أوسكارات ودبلجتها إلى لهجات منوعة، مصرية وسورية حسب الرغبة.
فلم أتصور يوماً أنني سأرى براد بيت وهو يتحدث باللبناني أو جنيفر أنيستون وهي تتظارف بالشامي أو آدم ساندلر، أنجيليا جولي وآخرين.
لا أعرف الهدف أو الغاية من موضوع الدبلجة وسبب استهلاكها بهذه الطريقة السطحية في الوقت الذي نسعى فيه إلى تعليم هذا الجيل كيف يطلع على ثقافة الآخر بإتقان لغته واكتساب مهارته عبر التركيز على تعلم اللغة الأجنبية التي باتت ضرورة الآن، لكن يبدو أننا ورغم انتشار فضائياتنا ووجود قمر فضائي يحمل اسمنا «عرب سات» إلا أننا مستهلكون وبامتياز، نعتمد على إبداعات الغير لنسارع ونستهلكه بشكل يصل إلى حد الاستخفاف بالمشاهد.
فما أتمناه كمشاهدة وأعتقد جميع المشاهدين يؤيدونني في ذلك أن نرى إنتاجاتنا السينمائية والدرامية العربية تحمل أفكارنا وآراءنا لتصل إليهم لا أن ننقاد وراء إبداعات الغير ونلصق به لهجاتنا المحلية.