وبانت بوضوح في عرض (امرأة وحيدة) من تأليفه وزوجته المسرحية فرانكاراما، قدمت مؤخراً على خشبة القاعة متعددة الاستعمالات- دار الأوبرا، بإخراج أمل عمران وتمثيل ناندا محمد.
في سرد البطلة لحكايتها يظهر تماماً ذاك الاشتباك.. الانصهار اللامنفصل ما بين الكوميدي والتراجيدي.
طوال العمل تأتي مواقف حياتية، مدركة، ربما وصلت لدرجة (المعاشة) من قبل المتفرج.. وهو مصدر إطلاق كثير من الضحك كرد فعل عما يسمع ويتلقى جمهور الصالة.
مواقف معروضة تشرحها ناندا تجعل لكل منها وجهين.. أول كوميدي ظاهري وثان تراجيدي موجع يختبئ تحت قناعه الساخر.
اللافت أن العمق التراجيدي لم يصل إلى حدود البكائي وهو نقطة جذب ونجاح العمل على وجه الخصوص، وبالعموم هي نقطة اهتم بها داريوفو في مختلف أعماله، إذ تنبه لما للنغمة البكائية من بعد سلبي يفقد التواصل الفعال مع الجمهور.. يريده جمهوراً حاضر الفكر ولهذا يذهب إلى مطارح يعايشها المتفرج دائماً يعيد اكتشافها معه ويعرضها أمامه بأسلوب يحيي تفاصيل صغيرة مهملة كما العادة..
على المسرح تتم إعادة توزيعها من جديد.. يتم تكبيرها حتى يراها المتلقي تحت عدسة الخشبة..
فتدهشه.. تنبهه.. تضحكه.. وقد توجعه من شدة مكرها ومن قدرتها على التنكر بوجه كوميدي..
الموجع الموظف في هذا العمل إن كان لدى كاتبيه أو في نسخته الجديدة يوظف بطريقة صادمة..
الصدمة.. كائنة من عالمين ضدين تحياهما هذه (المرأة الوحيدة).. وحيدة ومهجورة كواقع حقيقي تعيشه لا تعترف به فتحيا هلوسات تختلق عبرها حياة قائمة بحالها ضاجة بخلافاتها ومشاحناتها مع شخوص تفترضهم.. زوج، ابن، حبيب، جارة، شخص يعاكس، أخ، زوج مريض..
الحكاية المعروضة أمامنا..
تنشغل بتفاصيل هذه القصة المفترضة - المختلقة وتبقى الحقيقة غير مجسدة على الخشبة.
الطرح الذي يهتم له داريوفو هنا هو طرح مجتمعي يناقش قضايا عزلة الانسان ووحدته بغض النظر عن عواملها أو أسبابها.. وبالتحديد أكثر ووفقاً للنص هناك مناقشة لوضع المرأة في أكثر علاقاتها حميمية، مناقشة بجرعات ليست عالية التركيز (فكرياً)..
بمعنى: لم تقدم هذه الموضوعة بأسلوبية فيها مباشرة وفجاجة، تلقين أو إجبار على تشغيل العقل وإعمال الفكر..
على العكس تماماً..
كل ذلك مرر بجرعات كوميدية ساخرة فيها طعم الناقد المستنكر لواقع الحال.
بطبعته السورية حقق العرض شرط الاقتراب من البيئة المحلية، وهو ما يسجل للإعداد الذي قامت به مخرجة العمل.
ومن الملاحظ الاعتماد الكامل على طاقات الممثلة إضافة إلى كون العمل مونودراما، الأمر الذي يفترض تركيزاً كاملاً على الممثل الوحيد، أيضاً هناك جانب مهم ينحصر بالاعتماد على طاقاته لخلق كوميديا الموقف.
حضور ناندا محمد كان وحيداً.. إلا أنها ملأت الخشبة أداء صوتياً حركياً.. ايماء وكلاماً.. انفعالاً وصمتاً.. وبذلك خلقت تعددية لا من حيث الأشخاص فيزيائياً وإنما من حيث خلق تعدد الحالات الدرامية التي تواكب اختلاف الحالة النفسية للشخصية الواحدة الوحيدة.
(امرأة وحيدة) لم يأت بزخرفات سينوغرافية بل اعتمد ديكوراً بسيطاً يوحي بالتواجد ضمن احدى غرف منزل تلك المرأة.
في مضي أحداث الحكاية نحو الانفجار- التصعيد كما تتوهم هذه السيدة، قدوم الزوج لحظة قدوم الحبيب، بكاء الصغير ومناداة أخي الزوج لها، حضور صديق الزوج أيضاً.
أحداث تتلاقى تتشابك تتخبط.. حينها يفقد العرض شيئاً من ايقاعه الذي ضبط به منذ بدايته حتى ما قبل ذاك التصعيد..
تصعيد بدا وكما لو أنه مفتعل.. أي بملامح غير قادرة على الاقناع..
لم يبق على ذات السوية التي رسمت بدايته.. أدائياً..