وقد تميز المجتمع في هذا الزمن ببروز شريحة اجتماعية ميسورة,بعضها بلغ أعلى درجات الرفاهية والغنى, على حين كانت هناك طبقة عريضة من الناس الفقراء, ومن المعدمين.
وتحدثنا كتب التاريخ أن بعض أدباء ذلك الزمن,كانوا قريبين من هذه الشريحة الفقيرة,ويوضح ذلك الأستاذ أحمد الحسين في كتابه (أدب الكدية في العصر العباسي) إضافة إلى هذا قام الشطار والعيارون وهذا (أحد أشكال التمردات الشعبية التي قامت نتيجة تفسخ اقتصادي سياسي,نجم عنه فساد اقتصادي عام,عانت منه الطبقات الفقيرة ما عانت,كما يقول هذا الباحث الكريم.
ومثلما أوضحنا في الصفحة السالفة,فإن الطفيليين كانوا يتظرفون ليكونوا مقبولين على نحو ما في المجتمع,وكانت لهم,في الآن ذاته توجيهاتهم ووصاياهم,يتلونها على أبنائهم ومريديهم ليهتدوا بها في غزواتهم الطفيلية,من ذلك مثلا ما أوصى به طفيل العرائس ابنه عبد الحميد فقد قال له:إذا دخلت عرسا فلا تلتفت تلفت المريب,وتخير المجالس,فإن كان العرس كثير الزحام فأمر وانه-أي:بسيط-ولا تنظر في عيون أهل المرأة ولا في عيون أهل الرجل ليظن هؤلاء أنك من هؤلاء,ويظن هؤلاء أنك من هؤلاء فإن كان البواب وقاصا فابدأ به ومره وانهه (1),ويشرح طفيل مبادئه في قصيدة يقول فيها:
لا تجز عن من القريب ولا من الرجل البعيد
وادخل كأنك طابخ بيديك مغرفة الثريد
متدليا فوق الطعام تدلي البازي الصيود
لتلف ما فوق الموائد كلها لف الفهود
لا تلتفت نحو البقول ولا إلى غرف الثريد
واطرح حياءك إنما وجه المطفل من حديد
حتى إذا جاء الطعام ضربت فيه بالشديد
وعليك بالفالوذجات فإنها عين القصيد
هذا, إذا صررتهم ودعوتهم هل من مزيد
والعرس لا يخلو من ال لوزينج الرطب العقيد
فإذا أتيت به محو ت محاسن الحام الجديد
قال: ثم أغمي عليه ساعة ذكر اللوزينج فلما أفاق رفع رأسه وقال:
وتنقلن على الموائد فعل شيطان مريد
وإذا انتقلت عبثت بال كعك المجفف والقديد
يارب أنت رزقتني هذا على رغم الحسود
واعلم بأنك إن قتل ت نعمت يا عبد الحميد (2)
ويبدو أنه كان للطفيليين مزاجهم الذي يتميزون به, وملامحهم النفسية الخاصة ولم يكونوا ليخجلوا من شيء حتى أن أحدهم نقش على خاتمه هذه العبارة (3): ألا تأكلون?
وقال آخر:خير البقاع ثلاث:دكان الشواء والرواس والهراس.
وكانت لهم ملاحظات وأجوبة غاية في طرافتها وهي متصلة جميعا بشؤون الطعام والولائم فقد قال أحدهم:إذا كنت على مائدة فلا تتكلمن في حال أكلك وإن كلمك ما لا بد من جوابه فلا تجبه إلا بقول نعم فإن الكلام يشغل عن الأكل وقول:نعم مضغة.
وقيل لطفيلي مرة:ما بالك أصفر اللون?.
قال:من الفترة التي بين الغضارتين-أي بين صحن وآخر والغضارة قصعة كبيرة من خزف-أخاف أن يكون الطعام قد فني.
وخرج طفيلي مع نفر في سفر فعزموا أن يخرج كل واحد شيئا للنفقة فقال كل واحد:علي كذا فلما بلغوا إلى الطفيلي قال لهم:علي!وسكت! .
فقالوا له:فإيش عليك? قال:لعنة الله,فضحكوا منه وأعفوه من النفقة وحملوه طول سفرهم.
وقال أحدهم:قرأت في كتاب أبي بخطه:قيل لبعض الطفيليين:أتحب أبا بكر وعمر?.
قال:ما ترك الطعام في قلبي حبا لأحد (4).
الهوامش:
(1) و(2) التطفيل-تأليف الخطيب البغدادي-منشورات مكتبة القدسي-القاهرة-ط2 1983-ص 54-55
(3) و(4) المصدر السابق-ص 42-43