فيلتمان الذي يعمل في معهد»بروكينز» عرض ما يعرفه بالتفصيل والمعتمد على المراقبة الدقيقة لمجريات الأحداث ولاسيما المظاهرات التي تعم البلاد حالياً .غير أنه لم يقدم فهماً واضحاً للوضع القائم ,بل عبر عن أمانيه في مطالعته التي قدمها عن لبنان .فأظهر حالة التشابك والتعقيد السائدة هناك ,ونصح الكونغرس ب»العمل لإلحاق الهزيمة بإيران وحزب الله» و»الحيلولة دون تثبيت روسيا والصين لأقدامهم في لبنان».
وقلما سمح «محور المقاومة»-ايران وسورية والعراق وفلسطين وحزب الله واليمن-أن تمر حالة سوء الفهم والاستهانة بقدراته دون رد أو توضيح من جانبه. فايران على سبيل المثال ,تستخدم هذا الأسلوب لتظهر إلى أي حد التدابير الرامية إلى لي ذراعها وتضخيم آثارها هي عديمة الجدوى وبلا فائدة, بحيث أن الفاعلين ,ولاسيما قوة عظمى كالولايات المتحدة التي تعتقد أن عقوباتها أو أساليبها هي ذات جدوى ,فالرئيس ترامب اعتبر أن ايران ستسقط في غضون أشهر بسبب العقوبات الصارمة ومع ذلك لم تخفِ الحكومة الإيرانية أثر العقوبات على اقتصادها ,لكن بعيداً عن اعلان الهزيمة وبأنها وضعت ميزانيتها السنوية دون وجود عائدات النفط وبالتالي فهي تكيفت مع عقوبة ترامب .
هذه المقاربة -حسب محور المقاومة- أقنعت أصحاب القرار الدوليين بتفادي إضافة اجراءات أشد صرامة ويمكن أن ترضي الإدارة الأميركية وحلفاءها في الشرق الأوسط الذين التبست عليهم الحقيقة فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على سبيل المثال,كان أول من اعترف أن لحزب الله القدرة النارية الفتاكة إشارة إلى ترسانته التي بلغت 150000 صاروخ .
الدبلوماسي الأميركي السابق أشاد خلال شهادته أمام الكونغرس وعظم دور الجيش اللبناني في هزيمة «القاعدة» و»الدولة الإسلامية» على الحدود السورية -اللبنانية .لكن وجهة نظره ,وإن كانت بعيدة عن الواقع, إلا أنها يمكن أن تخدم في تخفيف من موقف الولايات المتحدة الصعب والتي كانت تريد في السنوات الأخيرة افقار لبنان .
فحزب الله هو من ألحق الهزيمة ب»المتطرفين» ,وليست الاثني عشر صاروخاً» اليتيمة» التي منحتها الولايات المتحدة مشروطة للجيش اللبناني, وليس مشاركة هذا الأخير بوضع اليد على مواقع حررها حزب الله من «المتطرفين» في أثناء تقدمه .فخسائر الجيش اللبناني كانت نتيجة عبور عربة عسكرية فوق أحد الألغام الذي خلفه «الارهابيون .
وإذا كانت الولايات المتحدة تعتقد أن الجيش اللبناني يمكن أن يلحق الهزيمة بحزب الله ,وأن لبنان معافى هو ضروري للحد من تأثير حزب الله ,فإن هذا لن يعود بانعكاسات ايجابية على البلاد .وبالتالي ,أمنية فيلتمان تصب في الجانب الآخر من وجهة النظر الأميركية المختلفة والتي تهدف إلى فرض عقوبات جديدة على لبنان .ليس لأن بعض أصحاب القرار الأميركيين هم أكثر ذكاء من فيلتمان ,ولكن لأن الأغلبية الساحقة في ادارة ترامب يتحركون برغبة «اسرائيلية» لإخضاع لبنان وفرض مزيد من العقوبات على أنصار حزب الله وأطراف أخرى يصنفون بخانة حلفاء الحزب .
أكد فيلتمان عن جهل أن «الحرب الأهلية في لبنان كانت نتيجة تأثير ايران» .كما أن تحليله عن تأثير حزب الله وايران لم يكن في محله ,فايران وقفت لجانب لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وليس عندما اندلعت شرارة الحرب الأهلية عام 1975 ,وهي تريد أن يظل لبنان والعراق مستقرين ,لأن كل حرب أهلية ستنحرف بشركاء ايران عن أهدافها الأساسية وهي :التضامن بين جميع أعضاء محور المقاومة لمحاربة عدوهم المشترك ,ولردع «اسرائيل» ودعم القضية الفلسطينية .
إن المظاهرات تعم الشارع اللبناني منذ أكثر من 40 يوماً للاحتجاج على تدني الخدمات العامة ,وسوء ادارة الموارد الاقتصادية وفساد الطبقة السياسية , ومن الواضح أن أزمة لبنان سوف تتفاقم إن لم يتم تشكيل حكومة ,ففي أقل من شهرين من إغلاق الطرق ,خسر لبنان أكثر من ملياري دولار من التبادل التجاري .وعملته انخفضت بنسبة 33 بالمئة مقابل الدولار في السوق السوداء .
لبنان على حافة الإفلاس التام ,فلا ثقة بالليرة اللبنانية ولا بالنظام المصرفي ,والدعم الأميركي ليس مرتبطاً بالأزمة اللبنانية ,ف(105) مليون دولار الممنوحة للجيش اللبناني لا تكاد تغطي جزءاً يسيراً من العجز المالي الذي يصل إلى 85 مليار دولار ,وحدها الصين وروسيا البلدان اللذان يخشاهما فيلتمان هي من ستحمل الأمل المالي للبنان لكن الساسة اللبنانيون المدعومين أميركياً قلقون من غضب واشنطن وبالتالي يرفضون كل هبة روسية أو أي اتفاق اقتصادي مع الصين الذي من شأنه النهوض بالاقتصاد اللبناني الضعيف .