سؤال قفز أمامي منتظرا» مع أطفالي جوابي لحضور طقوس عيد الميلاد المجيد.. مكافأة نهاية الامتحانات الدراسية الفصلية, ممهورين بالشغف لتصيد لحظة فرح يقتنصونها بشقاوة سنينهم, وبإصرار وبرغبة عارمة لقضاء وقت غير ذات النكهة آملين في تغيير ولو مؤقت لنمطية الإجازة متشفعين بقصر مدّتها وضعف الفعاليات فيها.
على طرفي المسافة الممتدة بين شارع بغداد وباب توما , سرقتنا وببراعة الأضواء والزينة للأشجار والشرفات والتي أعلنت وبكل أناقة وجمال عن بدء موسم الأعياد , ورغم تكرارها الموسمي لكل عام إلا أن النفس لا يمكن إلا أن تخلع همومها ومتاعبها وتركنها على جنب , وتمتد أكف خفية تفتح نوافذ الروح المنهكة على وقع تفاعلها مع ترنيمات وتراتيل الصلوات الصادحة مع أجراس الكنائس.
موسيقا ودبكات وأغان وزحمة تخطف الأنظار..وأيد تمتد لتعانق دمى بشرية توزع الحلوى مغلفة بالمحبة ودفء التواصل الإنساني ..وفرح طفولي مجنون لرؤية ( بابا نويل) الخارج توا» من القصص والحكايا ، وكالسحر يسحب الأطفال من واقعهم لينسجوا قصصهم الذاتية معه , لعالم أشبه بكرنفال قادم من الطقوس السورية للأعياد.
ببطء شديد نتحرك وسط الزحام والصخب الهائل , علنا نحظى بلحظة تذكارية أمام شجرة الميلاد المضيئة ,الباسقة المنتصبة وسط ساحة باب توما لتوقف الزمن عندها على شكل صورة عاجلة من جوال أحدنا, علها تضيء ظلمة دربنا الذي مشيناه نحن السوريين بإصرار حتى ذبلنا.
شجرة الميلاد المتلألئة توميء لنا من بعيد وتغرينا بقوة للاقتراب منها فيشع نورها المبارك في حنايانا المتجمدة وتلهب ثلج روتين أيامنا.
في اللحظة الأولى التي اقترح فيها أولادي المشاركة في أفراح الميلاد المجيد..ترددت لبرهة كون العيد خاصا بإخوتنا المسيحيين , ولكن المفارقة الجميلة والتي رأيتها في الشوارع والفعاليات ليلة الميلاد وتلمستها عن قرب أن جميع أبناء المجتمع السوري ومن كل أطيافه كانوا أضعافا مضاعفة , حتى كدت أصرخ ليتنا ندعو أخوتنا المسيحيين ليشاركوننا الاحتفال.
تمازج اجتماعي وروحي ينبع من عمق التعايش الإنساني والاجتماعي للمجتمع السوري..فكما تقاسمنا المعاناة معا» هانحن نتذوق طعم الأفراح والأعياد صحبة..فليس الألم والوجع كما العيد والفرح , بين السوريين دين أو مذهب.
فهل لأحد مهما بلغت حدة بصيرته أن يتخيل كيف كان عيد السوريين من قبل وما سيؤول إليه الوضع في الوقت الراهن , فالمقاربة بين الزمنين باتت ضربا من الخيال تعجز عنه تنبؤات الفلكيين وضرب الودع للعرافين..
هل تغيرنا ..ليس كثيرا»..ظروفنا ونظرتنا للأشياء حولنا هي من تغير وباتت أكثر شمولية.
إن كان قدرنا أن نتألم ونجوع معا»..فعسى المسيح يمسح بطهر ميلاده آلامنا وأحزاننا
عيدكم سلام ومحبة بميلاد سيد السلام والمحبة.