و الحقيقة أن الفرق بين المتفائل و المتشائم كالفرق بين الناظر إلى النصف المملوء من الكأس و الناظر إلى النصف الفارغ منه فهنا الكأس واحد و ممتلئ بالماء حتى نصفه لكن النظرة تختلف.. فهناك المتفائل الذي يرى الماء و المتشائم الذي يرى الفراغ ..
و التشاؤم مؤداه الإحباط و اليأس لذلك دق علماء النفس ناقوس الخطر بعد ان بحثوا عن أسباب الانتحار فأجروا تجارب و دراسات على أشخاص أصابهم الإحباط و اليأس و ربما فكروا بالانتحار بعد فشلهم في أمر من الأمور أو فقدانهم الأمل في تحقيق ما حلموا به و رأوا ان السبب في وصولهم الى تلك الحالة كانت السيرة الذاتية عندما كانوا أطفالا فقد لاقوا عدم الاهتمام من الأهل و العصبية عند الأب و الام أو أحدهما و عدم الاتزان و التوازن في التربية عند بعض الأسر و البيئة و أسباب أخرى.. كل منا يعرف أشخاصا كانت حياتهم تمر هكذا روتينية دون نجاحات تذكر، بل بدون علامات فارقة تميزهم عن الآخرين.
حتى وإن سألتهم فتراهم يتذمرون من الآخرين يشعرون بقلة حظهم في هذه الحياة غير ناجحين في حياتهم الأسرية أو في عملهم و اذا استطعت أن تنفذ إلى تاريخ أحدهم ترى ما ترسب من تصرفات خاطئة للأهل عندما كانوا صغارا فأهلهم كانوا ينظرون إليهم نظرة سلبية تدل على عدم الرضا و حتى كلماتهم كانت قاسية و لجوء البعض إلى أسلوب الضرب .ان هذا التصرف تجاه أطفالنا ستنعكس عليهم مستقبلا فطفل اليوم هو رجل المستقبل فهل نريده رعديدا جبانا مترددا ام شجاعا مقداماً جسورا وصاحب قرار ؟؟ .. نحن نبني أنفسنا بالنسبة للآخرين من خلال نظرتهم إلينا و رأيهم فينا وكلامهم و نظراتهم و تصرفاتهم و كلها لها تأثيرها المباشر ..
إن الطفل يختزن هذه السلبيات و يعيد التصرف وفقها في مرحلة المراهقة أو النضج و يحولها ضد نفسه و في حياته المستقبلية نراه كلما صادف عقبة أو فشل في تحقيق أهدافه أو أحلامه أو كان هناك فرق بين طموحاته و الواقع الذي يعيشه شك في نفسه و في قدراته و عاد ليظن أنه لا يصلح لشيء و أنه غير كفء .يتطور الأمر عند بعض الأهل فيتصرفون تصرفات غير متزنة مع اولادهم و يصل بالبعض إلى إيقاع العنف الجسدي أو المعنوي... هذه التصرفات و غيرها و لوم الأهل بسبب و بلا سبب سيترك جروحا لا تندمل ..
و يرى العصبية الصادرة منهم فتتأزم نفسيته و تسوء حالته شيئا فشيئا و تنكسر قيمته بنظر نفسه و سيبحث بالجوانب النفسية دون أن يدري معتبرا نفسه مخطئا و فاشلا و هذا نوع من التدمير الذاتي ويمارس هذا الدور طوال حياته ما لم يوقفه سبب ما أو إجراء مناسب أو تغيير جوهري من الأهل ينقلبون من حياة التعنيف و الشدة و القسوة إلى حياة زرع الأمل في حياة أطفالهم .ما أحلى ان نزين حياتنا بالأمل ضمن دائرة من التفاؤل ... يقول عالم الاجتماع و المرشد النفسي و الباحث التربوي عبد العزيز الخضراء: علينا ألا نغالي في الاتجاه نحو التفاؤل أو ننحدر إلى مهالك التشاؤم ..
فالتشاؤم يصدر عن ضعف الثقة في النفس و المبالغة في الخوف من الفشل و ان تكون ثقتنا في الله عالية فلا نخاف المستقبل و لا نرهبه بل نوجه امكاناتنا وقدراتنا نحو مواجهة المستقبل بكل تحدياته و صعوباته .. فالتفاؤل و الأمل هما مادة النصر و هما عنوانا النجاح ... فالمتشائم هو الذي يوجد العقبات أمام الفرص التي تسنح له فالأحمق يرى النور و الضوء و لا يصدقه .. اما المتفائل فهو الذي يجعل من الصعب فرصا تغتنم ويرى روح التفاؤل قوة دافعة له لها أثرها البعيد و لها مفعولها الأكيد في النجاح و تنشيط العقل و حفز الهمم للوصول إلى الأفضل..و أخيرا نقول :ان الأمل بأيدينا نصنعه و بتفكيرنا نبنيه و بخطواتنا و تصرفاتنا نجعل حياتنا افضل .