تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


دلبة سورية

إضاءات
الثلاثاء 7-8-2018
سعد القاسم

يقال إن عمرها خمسمئة سنة، وإنها وجدت في مشتى الحلو قبل أن يسكنها أحد، ومهما كان الأمر فإن أهل المشتى أحاطوا شجرتهم العريقة بعناية خاصة، فجعلوها مركز إحدى ساحتي البلدة الجميلة، وأقاموا حولها سوراً صغيراً، وأخيراً أطلقوا اسمها على مهرجانهم الثقافي والفني.

(مهرجان دلبة مشتى الحلو للثقافة والفنون) الذي أقيم في الأيام الأخيرة من شهر تموز (يوليو) الماضي حمل في عامه السادس عنوان (سلاماً أيها الحب)، وقد بلغ العنوان مداه الأوسع مع حفل الافتتاح الذي بدأته فرقة (كورال أرجوان) بأغنية تراثية من السويداء، تحية لأهلنا هناك الذين واجهوا ببسالة قبل أيام قليلة من بدء المهرجان إجرام العصابات الظلامية التي شنت هجوماً غادراً على قراهم الآمنة، واستطاعت الفرقة، رغم ضيق الوقت، أن تقدم الأغنية بإتقان مماثلٍ لباقي الأغنيات التي تدربت عليها طويلاً.‏

توزعت أنشطة المهرجان بين فترتين: صباحية ومسائية، تضمنت الأولى إطلاق طائرات ورقية، ودوريا لطاولة الزهر، ومعرضا مفتوحا لنادي التصوير الضوئي على سور الدلبة للصور الملتقطة بالهاتف المحمول، وفعالية بعنوان (فلافل وعرانيس) قام بها الأهالي بمد طاولة كبيرة ونصب حلة عملاقة على موقد من الحطب في ساحة الدلبة، لتجهيز (ساندويشات) الفلافل وعرانيس الدرة المسلوقة لضيوف المهرجان والمشاركين فيه، إضافة إلى ملتقى للتصوير شارك فيه: أدوار شهدا وعصام درويش ونعمة بدوي وعدنان حميدة وسامر إسماعيل، وملتقى للنحت شارك فيه: وضاح سلامة وعلاء محمد ووائل الدهان وهادي عبيد وياسر الحكيم ويامن يوسف، وقد استخدم الأخير جذعاً كبيراً سقط من شجرة الدلبة عام 2017 لينحت عليه مشهد ولادة جديدة متناغماً مع شعر محمد درويش:‏

سـقــط الـسـقــوط وأنــــت تـعـلــو فــكــرة‏

ويـــــــــــــــــــــــــــــــدا‏

وشـــــــــــــــامـــــــــــــــا‏

لا بــــــــــــرّ إلا ســــــاعـــــــدك‏

لا بــحــر إلا الـغـامــض الـكـحـلــي فــيـــك‏

فتقمـص الأشياء كـي تتقمـص الأشياء خطواتـك الحرامـا‏

أما علاء محمد فقد قام بالنحت على جذع شجرة جافة عالية مازالت منتصبة على طرف الساحة مستخدماً سلالم ومنصات، كما تضمنت الأنشطة الصباحية محاضرة عن مكانة الأيقونة السورية في الفن التشكيلي السوري.‏

الفترة المسائية تضمنت مشاركة أهالي البلدة وأطفالها في ورشة عمل فنية كبيرة حملت عنوان (كرنفال بيكاسو) قام خلالها الأطفال بابتكار لوحات منفذة بطريقة اللصق على الورق (كولاج) من وحي لوحات الفنان الأسطوري، أما أمسية الأفلام القصيرة فكانت مناسبة إضافية تترجم حيوية المهرجان وجمال مشاركة الأهالي الذين تفاعلوا بشكل رائع مع الأفلام المعروضة رغم تفاوت أسالبيها وتأرجحها بين الواقعية والرمزية، تضمنت الأمسية ستة أفلام هي: (بترا) سيناريو يارا شبيب وحسام شرباتي، إخراج:حسام شرباتي، ويسرد قصة حب بين رجل وامرأة تتوج بالزواج وتنتهي بموت الحبيبة في انفجار إرهابي، لكن الأب يظل يستذكر تلك العلاقة الجميلة من خلال ابنتهما التي لم تعرف أمها أبداً. و فيلم (ضيعانو) إخراج يزن سلوم ويحكي عن الانتظار بصياغة تجنح إلى الرمزية، وفيلم (الثلث الأخير) لعلا عباس الذي يعتمد على صور فوتوغرافية متتالية لرجل وامرأة وطفل، ملتقطة من تحت الركبة تقدم في تبدلها وتشابك الحبال الملونة فيها وجهة نظر في العلاقة بين الإنسان والحياة. فيلم (هواء) سيناريو وإخراج يانا حلال قدم بجرأة تتجاوز عنوانه دعوة للمرأة في كل مراحل عمرها بأن لا تصمت عندما تتعرض للاضطهاد والظلم والعنف أياً كان شكله، فيلم (العشر الدقائق الأخيرة): فكره ريكاردو باصوص سيناريو وحوار:عصام زودي وإخراج: أسامة داوود، استعاد من ذاكرة جندي أسير لدى العصابات الظلامية مشاعره وذكرياته الأكثر حرارة في الدقائق العشر الأخيرة التي سبقت قتله، تاركاً للمشاهد مهمة استكمال صور الجرائم التي ارتكبتها تلك العصابات بحق جنودنا الأسرى، من ذاكرتنا البصرية الجماعية، وعلى الذاكرة البصرية، أو المخزون البصري، اعتمد فيلم (ثقب) الذي أنجزته ورشة عمل السينوغرافيا في السينما في المعهد العالي للفنون المسرحية بإشراف الأستاذ غيث المحمود، ومشاركة ميار النوري (تصوير ومونتاج وإضاءة)، وقد اعتمد الفيلم تقنية Stop motion وهي تقنية إيقاف الحركة، وتُعرف أيضاً بتقنية الإطارات الثابتة أو فن التصوير المتعاقب، وهي تقنية تحريك الرسوم والصور عن طريق التلاعب بها لتظهر وكأنها تتحرك ذاتيا، يحدث ذلك عن طريق تصوير الجسم المراد تحريكه صورا متعاقبة، مع إضافة تغيير بسيط في كل صورة، وقد عُرض مع الفيلم فيلم قصير آخر يصور مراحل إنجازه، وذكر الأستاذ غيث المحمود في حواره مع الحضور أنه بعد سنوات من الحرب، والكم الهائل من صور الدمار، بنينا فرضية الفيلم على أساس تحميل الدمار المادي أبعاداً معنوية وفق التجارب الشخصية، وتقويمنا لمشاهداتنا في هذه الحرب، وتم بناء جميع الأماكن في مشاهد الفيلم بمجسمات من الكرتون وفق نسب تتوافق مع عدسات الكاميرا، واستُخدمت تقنيات التعتيق حتى تبدو المجسمات طبق الواقع، وأوجدنا حلولاً بديلة لتقنيات تصوير هذا النوع من السينما لعدم توفرها وكلفتها العالية، حتى نوصل أفكارنا ضمن الإمكانيات المتاحة.‏

وكما بدأ المهرجان مع الكلمة واللحن، ختم فعالياته بسهرة غنائية أحياها فنانو المشتى: وديع حناوي وسناء بركات و جورج خوري وجورج طنوس.‏

يمكن أن يحكى الكثير عن مهرجان دلبة مشتى الحلو، عن فعاليات لم نذكرها، وعن البهجة التي أشاعها بين أهل البلدة وزوارها، وعن حماسة منظميه ولطفهم كما هو حال (دينامو) المهرجان: وائل صباغ، و المشرف على النشاط التشكيلي سامر إسماعيل، مثالاً لا حصراً. وعن الملتقى الثقافي العائلي في مشتى الحلو، وعن تفاعل الأهالي الجميل منذ التحضير للمهرجان، وحتى لحظته الأخيرة، وما يمكن إضافته أن مهرجان دلبة المشتى بفعاليته وضيوفه هو صورة رائعة عن الغنى السوري.‏

وهو مثال جدير بالتقدير ..والاستلهام..‏

www.facebook.com/saad.alkassem

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية