تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مرحلة انتقالية..!

ثقافة
الأربعاء 30-10-2013
غسان كامل ونوس

تنتاب الواحد منّا أحياناً حماسة مفرطة، وانفعال محموم؛ فيبالغ في القول، ويغالبه اندفاع، ويستحثّه شعور آمل، وإحساس مؤمّل؛ فيرفع السقف عالياً في توقّعه لِما سيحدث،

ومطالبته بالكثير ممّا يجب أن يكون؛ سواء أكان ذلك في اجتماعات رسميّة، أو ندوات أو جلسات محدّدة أو عارضة..‏

ومن الطبيعي أن يكون بعض مُطلقيها صادقاً نبيلاً مخلصاً.. من دون أن يعني هذا المنطقيّةَ والواقعيّةَ دائماً؛ ويكون آخرون واهمين أو هاجسين أو متخيِّلين؛ فيما يكون مطلوباً من آخرين بحكم الوظيفة أو المهمّة أو المرحلة أن يُشِيعوا مثل ذلك؛ إضافة إلى فئة من المضلِّلين المنافقين الذين لا تخلو منهم ساح!‏

ومع أخذ كلِّ ذلك بعين الاهتمام، مع تأثيراته الإيجابيّة المرغوبة أو المرجوّة، والسلبيّة المنبوذة أو المخيّبة.. فإنّ من المناسب مناقشة الحال والطّروحات الملقاة في واقع البيئة وعناصرها والمؤثّرات الداخليّة والخارجيّة.‏

وممّا لا شكّ فيه، أنّ الأمر لا يمكن أن يكون «كن فيكون» من جهة الراغب أو الآمر أو المخطّط أو الواعظ، أو الرّاعي ما دون السماء، كما لا يمكن أن يصل إلى مرتبة «شبّيك لبّيك..» من جهات المأمورين أو المستهدَفين أو المخاطَبين أو العاملين على الأرض!! وبين هذين الحدّين المتطرِّفَين تطوف احتمالات لا تحدّ، وتتحرّك عناصر وعوامل لا تحصى، في ظروف تتحوّل، وشروط تتبدّل، ومتطلّبات تتجدّد، وغايات وأهداف وأحلام.. ما يستدعي النظر بوعي ومسؤولية وواقعيّة، والسعي بجديّة وثقة وإرادة إلى إنجاز ما يمكن بأسرع وقت وأكثر جدوى؛ فليست فضاءات القول كأحياز الفعل، وليس يسر الإملاء كعسر الضبط، ولا سهولة النظر كغموض المشهد، وليست سلاسة الخطوط وصرامة الحدود ونقاء الألوان بمثل وعورة الأرض وتضاريس التّخوم وضبابيّة الرؤية، ولاالزمن المقدّر هو زمن الإنجاز، ولا الخبرة المقترحة كالخبرة المتوافرة، ولا الحيويّة المطلوبة والنشاط والعلاقة بين المكوّنات والفاعلين كما هي في الورش والمشروعات.. إننا بشر لا آلات، تلك التي تقاد من قبل أناس، والإجراءات تتطلّب من يبادر إلى تحمّل المسؤوليّة، وتمثّلها.‏

مثل هذه الأمور تحدث في الأوقات العاديّة؛ أمّا في الأحوال الطارئة، وحيث الكائنات متورّطة أو مشوّشة أو معطوبة أو متصدّعة.. وتحتاج إلى فترة نقاهة، أو تنقية أو وضوح، وهناك إجراءات على الأرض يجب أن تقوم لوقف الأعمال الحادّة، والانتهاء من الأوضاع المتشابكة، وإحلال الأمان، وتأمين إمكانيّة الحركة والعمل والتنفيذ، ونقل المواد وصيانة البنى التحتيّة، واستثمار ما بقي صالحاً للاستخدام، وترميم ما ظلّ قائماً، وتعويض ما فات..‏

إن كلّ ذلك مطلوب أن يُنجز في فترات قياسيّة، ولكن بلا تسرّع أو تجميل أو إيهام أو تيئيس، وهو ما يحتاج إلى وقتٍ وجهد وطاقة، وكائناتٍ قادرة على التوصيف والتقويم والعمل وتحديد الأولويّات، أناسٍ نظيفي القلب واللسان صالحين متطلّعين ساعين.. والوصول إلى هؤلاء مشروع كبير وهامّ؛ بل عملاق، وإن الآليّة ليست بيّنةً بجلاء، والسبل إليهم ليست سليمة المتن والضفاف والشارات، وهناك تساؤل حول من يُختار لكي يَختار، وعن دقّة المعلومات وسلامتها، ومدى صلاحيتها..‏

كلّ ذلك لا يعني إحباطاً أو إبطاء أو تفعيلاً من أهميّة التّبشير والتّطمين والتّأميل.. ولكن من الضروري أن يكون معروفاً ومعروضاً أمام الناس، كيلا تكون الصدمة التي قد تصيبنا في حال عدم التحّقق أكبر من قدرتنا على التحمّل، ولكي نكون واقعيّين ومنطقيّين وحريصين في مطالبنا وآمالنا وتقويمنا لما يُنجز في ظلّ ما يمكن إنجازه..!!‏

تلك خصائص الفصول الانتقاليّة، ونحن في مثل هذا الفصل السنويّ، أو الدوريّ الحياتيّ الذي قد يمتدّ أكثر من المقدّر، لكنّ المشكلة تكمن في الخطورة من امتداد هذه الفصول واتّصالها، حتّى تغدو جميع مراحلنا انتقالية!!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية