لم يتغير شيء، لأن واشنطن لم تقدم شيئاً إيجابياً على صعيد تصحيح العلاقات مع هذه الدول، وبالتالي فإن واشنطن فشلت في الاعتراف بشكل كامل بأن العالم الذي أنتج مفهوم «الدول المارقة» قد انتهى.
إذاً، ليس من الممكن للولايات المتحدة بعد اليوم- حتى مع وجود الرئيس «أوباما» أن تحصل على دعم دولي لأجندة أميركية ولاحتى غربية لأن مايطلبه العالم من أميركا اليوم هو زيادة في الالتزام لاتقليصه، ولكن أيضاً وفي الوقت نفسه على أساس الشراكة، لا على أساس الهيمنة الأميركية، كما أصبح من الواضح الآن أن القيادة الأميركية التقليدية غير مرحب بها في شخص «أوباما» إلى حد كبير، بعد أن اتضح أن نهج الرئيس (بوش) ما زال متبعاً في أكثر من مجال في العالم.
إن الممارسات الأميركية والغربية تجاه الدول التي أطلق عليها مصطلح (الدول المارقة) جعلت هذه الدول تتعاون وتتضامن فيما بينها بشكل أكبر وترتبط بعلاقات أكثر حميمية، كما أصبحت تلاقي دعماً متزايداً من قوى دولية شرعية صاعدة مثل (البرازيل وتركيا وروسيا والصين)، هذه القوى تقاوم علانية الدبلوماسية الأميركية المعادية لهذه الدول «المارقة» حسب التصور الأميركي حولها.
إن ماهو مطلوب من إدارة الرئيس «أوباما» هو أكثر من التغيير في اللهجة فقط، وأكثر من مراجعة للسياسة الأميركية، المطلوب هو مراعاة مصالح القوى العالمية، والتشاور مع القوى الصاعدة، وبمعنى آخر إعادة النظر بسياسة الهيمنة على الآخرين، ذلك أن دول العالم تبحث اليوم عن شركاء لامتحكمين، إلى جانب ذلك فإن القوى المنافسة للولايات المتحدة وجدت لها في الدول المسماة «مارقة» موطئ قدم للاستثمار والعقود الدفاعية كما أنها تعرض عليها علاقات قائمة على الاحترام والكرامة والمنافع المتبادلة، وبالتالي ليست هي معنية بأي عقوبات لم يكن لها دور في صياغتها ولا اتخاذها العقوبات التي تفرض على هذه الدولة أو تلك..
إن القوى الجديدة الصاعدة تتبنى دعوات وأفكاراً مقبولة أكثر خارج العالم الغربي مثل «ليس لأي دولة أن تفرض على الآخرين أن يفكروا مثلها» مثل هذه الكلمات والأفكار تلاقي تفهماً وتجاوباً أكثر من الدعوات الغربية للاتحاد في وجه «الدول المارقة».
إن القوى الصاعدة أصبحت تشكل غطاء دبلوماسياً ونماذج اقتصادية بديلة بالنسبة للدول التي تسمى أميركياً «بالمارقة» ففي «بورما» منحت العقوبات الأميركية المفروضة عليها كلاً من الصين والهند فرصة لكسب نفوذ سياسي واقتصادي لا منافسة عليه، وفي إيران خلق الضغط الأميركي والغربي عليها أساتذة في فن صياغة التحالفات البديلة، وأصبحت إيران متمرسة في استيراد السلع المحظورة عبر بلاد أخرى، وفي دعوة كيانات غير غربية إلى دخول قطاعات محورية في اقتصادها مثل البنى التحتية والطاقة والاتصالات وغيرها في ظروف مؤاتية بل مغرية جداً، وبالتالي فشلت العقوبات الأميركية على إيران في تحقيق أهدافها.
والآن، إذا ما لجأ الرئيس «أوباما» إلى فرض عقوبات «أكثر ذكاء» على إيران في مجالات الطاقة والنقل والقطاعات المالية والتأمين وإعادة التأمين للتجارة مع إيران، فإن هذا الأمر لن يكون فاعلاً ومجدياً إذا لم تساهم فيه هذه القوى الدولية الصاعدة.
لقد اتضح أكثر من أي وقت مضى أن أساليب التدخل والعقوبات الأميركية لن تجد نفعاً، بل تستطيع القول: إن القوى الصاعدة في العالم لم تعد تميل إلى دعم مثل هذه الأساليب إلى جانب أنها- أي هذه الأساليب- تساهم في ازدياد الكراهية للسياسة الأميركية في كل مكان من أنحاء العالم.
باختصار يمكن القول وكما أشرنا في سياق الدراسة أن السياسة الأميركية حول عزل مايسمى «بالدول المارقة» أثبتت فشلها الذريع وأن مصطلح «الدول المارقة» الذي ابتدعته الإدارة الأميركية السابقة في عهد «بوش» قد أصبح بضاعة قديمة غير رائجة.