ما يعد تدخلاً سياسياً في شؤون دول هاتين المنطقتين، وهذا ما يكشف مشروع نفوذ اللوبي الإسرائيلي على السياسة الأميركية الشرق أوسطية، ولاسيما ضرورة فرض العقوبات على القنوات الإعلامية والفضائية المعارضة لأميركا وإسرائيل وهو المشروع الذي يتنباه السيناتوران جون ماكين وجو ليبرمان بامتياز، على حين أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تحدثت عن إمكانية إنشاء «مدونات سلوك للدول» حول حرية التعبير والمعتقد في وسائل الاتصال ولاسيما الانترنت تكون على غرار مدونات «الدول الراعية للإرهاب»، «الدول الراعية للمخدرات»، «الدول الراعية لتبييض الأموال».. الخ.
ويبدو أن ثمة حرباً باردة تدور رحاها على الشبكة العنكبوتية! فمن كان يفكر في أن يأتي يوم تتوتر فيه العلاقات بين الصين وأميركا بسبب محرك البحث «غوغل»؟
ولئن كان ظاهر الصراع فكرياً فإن مضمونه صراع على الاقتصاد والمال والتحكم في الأسواق العالمية، وقد هددت إمبراطورية «غوغل» بوقف كل نشاطاتها في الصين على خلفية الهجمات الالكترونية التي تعرض لها محرك البحث انطلاقاً منها مع أنه «أي غوغل» يحجب الكثير من موضوعات البحث التي تراها الصين حساسة، كما يذعن مثل غيره من شركات الانترنت لقوانين تفرضها بعض الدول على مزودي خدمات البحث أو الاتصال بالشبكة الدولية، على حين أن أميركا تعد أن خنق انتشار «غوغل» يشكل تحدياً للحريات ولأسس التجارة العالمية.
ولكن ربما أصابت فيما يتعلق في مشاريع الربح والتجارة بحسب الرؤية الأميركية للعالم التي تتمنى أن يصبح أميركياً رأسمالياً معولماً.
وفي الحقيقة امبراطورية «غوغل» هي حوكمة العالم أميركياً، إنها أفضل تمثيل للقيم الغربية التي تتصارع مع القيم الثقافية المتعددة حول العالم والأمر هنا لا يعني حرية المعرفة المتقدمة وديمقراطيتها لأن القائمين على موقع «غوغل» للدول التي تفرض رقابة صارمة على الانترنت من خلال التحكم بملايين المواقع وحجب مالا تريده بعض الدول والأنظمة السياسية وذلك لعلم أميركا ورضاها في الوقت الذي تزعم فيه حرصها على الدفاع عن حرية التعبير على الانترنت والأخذ على عاتقها «مسؤولية» باعتبارها مهد «الانترنت» في السهر على ضمان حرية استخدامها، علماً أن الولايات المتحدة جاءت في المرتبة 36 لمؤشر حرية الصحافة العالمي.
وبنظرة سريعة إلى وسائل الإعلام الأميركية يرى البعض أن العاملين عليها، مجرد سادة على معلومات جزئية وعلى عمليات تضليل منظم من أجل فرض الدعاية الرسمية وتخدير صوت الناس ببساطة، ووسائل الإعلام الرئيسية هناك يجرى شراؤها من قبل مجموعات مالية كبيرة تشتري الرأي العام وكذلك خدمات صحفيين تدفع لهم بسخاء وتمسك برقابهم في آن وعادة ما يسقى الناس بمعلومات خاطئة تخفي سبب المشكلة، وخير مثال سؤال المسؤولين الأميركيين «لماذا يكرهوننا؟» ولكن وسائل الإعلام هذه قوية وتبتلع كل شيء دون أن تشكك أغلبية الناس في صحة الكلام الذي لا يصدق وهذا أيضاً حال «غوغل» وخدماته التي ترتبط بالكثير من القضايا الأخلاقية والقانونية والإنسانية ولاسيما حقوق الملكية الفكرية بالنسبة للمعارف الإنسانية المتوافرة على الشبكة والتي يسجلها دون إذن عن أصحابها في الوقت الذي يحجم فيه عن تسجيل آلاف بل ملايين الصور الصاخبة التي رافقت الحرب على العراق أو أفغانستان أو غزة أو جنوب لبنان، ولاسيما صور القتلى من الأطفال ومشوهي الحرب من النساء والشيوخ وحتى الشبان.
كارثة العراق ولدت أكثر من مليون ضحية وأكثر من مليوني لاجئ معظمهم فرً إلى بلدان فقيرة لأن الأغنياء والأقوياء لم يرحبوا بهم ومن بينهم المسؤولون عن الفوضى في هذا البلد.
وفيما يتعلق بالصور والتقارير حول ما حدث قد حذفت وغابت عن الإعلام الأميركي وما بقي منها أو نشر لا يعبر عن خطورة الرعب، ولاسيما آلاف الصور للأطفال الذين شوهتهم الحرب وهي الصور التي لم تنشر على «غوغل» ولم تسجل عليه من مواقع مجموعات المراسلين الشجعان الذين قدموا تقارير فظيعة وأكثر أهمية بكثير مما قدمته المستويات الرسمية الغربية.
كما أن تلك الصور لم تنشر البتة على نيويورك تايمز مثلاً أو على الصحف المرجعية الأولى، والشيء بالشيء يذكر فقد كان الصحفيون الذين يقومون بعملية تصوير الأحداث وكتابة المقالات حول الفظائع يصبحون هدفاً للقوات المسؤولة عن الفوضى.
فغزو العراق الذي تسبب بسقوط عدد كبير من الضحايا مع كثير من الجرحى بأرقام مهولة هو الحدث الذي يفوق في مدى الضرر الذي لحق بالأشخاص والممتلكات والبنى التحتية الخراب الذي تلحقه قنبلة نووية بمدينة كبيرة، واستمرار هذه الكارثة كان يمكن تفاديه وإيقافه لو نشرت الصور والمقالات كما ينبغي ولا اضطر مفتعلو الفوضى إلى التوقف عن الوحشية لأن التغطية الإعلامية الشريفة تسبب صدمة وتغير الأمور، فأين ديمقراطية الإعلام في السياسات الأميركية؟
وأخيراً كان ثمة كارثة أخرى أصغر حجماً كان يمكن تفاديها بالكامل لو كانت الصحف الغربية تقدم الحقيقة وهي التي سقط فيها 1400 شخص بينهم 400 طفل وتقوضت خلالها بنية تحتية لشعب فقير لا يمكن إصلاحها لأن المسؤولين عن العدوان الدامي يواصلون الحصار على ضحاياهم ولا يسمحون بوصول المساعدات، ولكن بعض التقارير المتاحة والصور التي نشرت على الانترنت في مواقع خاصة جداً لم تسجل على «غوغل» ولا شيء منها نشر في الصحافة الأميركية ولا تزال غزة تعاني بسبب الدعاية والتضليل والأكاذيب وخاصة الصمت وكل ما تقدم يميل إلى طمس الجوانب البشعة لسياسات الاحتلالات ومصالح الأغنياء إضافة إلى إخفاء الفشل السياسي.
وفي الخاتمة قد يأتي يوم تنشر فيه تلك الصور والمقالات وتسجل ولكنها ستكون عندها في طي النسيان منذ زمن بعيد وقد يفرج البنتاغون يوماً ما عن صور التعذيب والوثائق حول المعتقلات الأميركية بعد فوات الأوان.