سار عكس الاتجاه ،عكس بوصلة الحوارات المعقودة على هامش عيد الحب ( المفترض ) .. طارحاً محاور حلقته الأخيرة من ( قريب جداً ) على هيئة ..
لماذا تنتهي قصص الحب .. وكيف .. لِمَ يتحوّل الحبيب إلى عدو .. والحب إلى كره .. ثم هل يضع الزواج نهايةً للحب القوي ؟
هي الصدمة .. مبدأ اشتغل عليه العيساوي وبتوقيت ليلة واحدة تفصل العشاق عن عيدهم .. ألقاها كألغام أو قنابل موقوتة في حقل عواطف ومشاعر المحبين ..
حديث النهايات ذاك خالف عادةً طبعت سكة تسير عليها البرامج المقدّمة المهللة و المحتفية بايجابيات العلاقات العاطفية ..التي اعتادت تمريرأمنيات مشبعة برغبات حمراء وثرثرات من كافة الألوان ..
العيساوي أراد تقديم وجبة عاطفية بنكهة خاصة ومختلفة .. والضيوف ( الذوّيقة ) كانوا ممن خبروا ( الحب) ، لكل منهم تجربته المؤلمة التي علّمت ،فكانت بمثابة درس يوازي وربما يعادل أو يختزل حياةً بمجملها ..
دار الحوار مابين ضيوف الاستوديو ممن تحدّثوا عن تجاربهم الخاصة ( الروائية هيفاء بيطار ، الشاعر والسيناريست علي مطر ، الممثل نيكولا معوض ، الروائية ومصممة الرقص كارولين حاتم ) بمشاركة الدكتورة النفسية منى صوّاف ، والمختصّة بالعلاج الأسري ميرنا مغبغب ..
علانيةً فلش الموجودون دون أي استثناء _ طبعاً بجهد من العيساوي _ علاقاتهم العاطفية ، واضعين إياها على طاولة التشريح الحوارية ..دون أي حرج أو إرباك ، ولتكون تلك التجارب نقطة البدء في طرح تساؤلات عدّة كانت موضع جذب وتنافر بين طرفي العملية الحوارية _ أي بين أصحاب التجربة والمختصين النفسيين _ جاعلاً كلاً منها نقطة بداية وصولاً إلى ( العام ) .. فهل وصل إلى ذاك ( العام ) ؟
وعلى ما يبدو .. البعض خلط مابين العام والتعميم .. والبعض تذبذب في حديثه مابين الاستثناءات والتعميمات .. وثالث أطلق أحكاماً انطلاقاً من تجربة شخصية ..
وليبقى الأمر الوحيد الذي تشابه به الجميع .. نسيانهم أوإغفالهم حقيقة أن المشاعر الإنسانية وعواطف المرء تبقى بعيدة عن أي قواعد تؤطّرها ..عن أي تعميمات .. وأحكام مطلقة ، هي عصيّة على تعليبها ضمن قوالب جاهزة .. فلكل حالة فرادتها وتميّزها ، كل حالة عشقية لها خصوصيتها وظروفها الخاصة التي تقوّيها أو تنهيها ..
اللافت والأهم ..
والذي كان مصدر قوة وضعف بالآن ذاته في ( قريب جداً ) هو نوعية الضيوف .. وكما لو أن العيساوي حرص على تميّز هؤلاء .. ألا تلاحظون أن جميعهم ممن يُصفون بصفة الإبداع .. وبالتالي هم ذوو مزاج خاص وطبيعة أكثر خصوصية .. أمثالهم قادرون على تحقيق رفع ونهوض بالحلقة ، سواء عن طريق توظيف جرأتهم ، وهو ما فعله جوزيف .. أو عن طريق تقديم أفكار خلّاقة نابعة من فكر وثقافة هؤلاء ، كما يُفترض ، لربما استفاد منها عموم الناس ..
ولكن ..
هل يصح أن نجعل من تجاربهم على خصوصيتها ، معياراً تُقاس به حالات مجتمعية بأكملها .. هل يجوز أن نأخذ حالاتهم كعيّنة ناطقة بلسان حال شرائح اجتماعية أوسع انتشاراً وأكثر عدداً ..
ولنتذكرما تحدّثت به كارولين حاتم عن تجربتها وإحساسها شديد الخصوصية حيال فكرة ( عقد الزواج ) ، رأت أنه أثّر سلباً على علاقتها بمن أحبّت .. ربطت هي شخصياً حالتها بنزوع ٍ شديد موجودٍ لديها إلى الحرية .. وبدوره العيساوي أحال الأمر إلى حرية المبدع ، حرية يتوق إليها وينشدها .
الشخصيات التي جاء بها العيساوي على تفرّدها وتميّزها .. لا تشكّل بأي حال من الأحوال حالات عامة .. لا تمثّل نماذج لشرائح أو فئات مجتمعية عريضة ..
دون أدنى شك ليست كل تلك اللوائح الطويلة ممن فشل زواجهم أو حبهم يصنّفون ضمن لائحة ( الفن أو الإبداع ) .. إذ يبدو لنا أن الأمر أكثر تعقيداً وأكثر تشعّباً من جملة أسباب تبدأ مساساً بحرية المرأة ، وتنتهي انتهاكاً من قبل الرجل لمطلب ( الندية ) ..بالمجمل .. الكلام بمعظمه مال نحو استعراضات نخبوية فوقية ( حبتين زيادة ) ..