من المفيد هذا الأمر لقرى صافيتا جميعها وللمدينة التي عاش فيها لفترة لورانس العرب، وكتب عنها لوالدته. ولعل وزارة السياحة تلحظ في نشراتها أن اثنين من الشخصيات البريطانية الهامة كان لهما مكان في منطقتنا الجميلة، ذلكم هام في ترويجنا السياحي رغم أننا - إن أحببنا شكسبير - فإننا حتماً لا نحب لورانس العرب.
ذات يوم اكتشفت ، أيام اليفاع، حين كنت ما أزال من سكان صافيتا على نحو دائم، أن شكسبير إنما هو الشيخ إسبر، أما ولادته فكانت- آنذاك- في العراق قبل أن يولد عندنا من جديد بفضل صديقنا كمال، تحت اسم : الشيخ زبير.
وللأبيات التي قالها قبيل مغادرة العراق- أو صافيتا- قصة تروى، ابتدأت في أواخر الأربعينات وكانت لها تتمة في السبعينيات قبل أن تطل علينا هذه الأيام بتتمة جديدة.
تبدأ القصة من مجلة اسمها الكلية، كانت المجلة تصدر عن رابطة العروة الوثقى- كما أذكر- في جامعة بيروت الأمريكية . من جارنا في دار البرج، ابن عمنا الطالب ثم المهندس خير الله مقدسي جبور (رحمه الله) كنا نستعير أعداداً متفرقة من مجلة الكلية. نقرأ فيها ثم نعيدها أو لا نفعل. في عدد منها قرأت أشعاراً قالها شكسبير قبيل مغادرته إلى بريطانيا. كتبت المجلة مقدمة للأشعار رسخ في ذاكرتي منها أن الدكتور صفاء خلوصي- الأديب العراقي الكبير- حين كان يعد رسالته للدكتوراه عن شكسبير، أخذ يبحث في آثار العراق عما يثبت صحة نظريته عن أصل شكسبير، فعثر على آجرة كتب عليها الشيخ إسبر هذه الأبيات:
أنا كاتب أنا شاعر
في الدنيا مثلي لا يرى
جهلت بقدري أمتي
وبي الجهول تمسخرا
فسأتركن بلادكم
وأعيش في انجلترا
التوقيع : الشيخ اسبر
قرأنا الأشعار آنذاك ، فسررنا وضحكنا ، وحفظها منا من حفظها- وأنا منهم- ونسيها آخرون . انتهى الفصل الأول.
الفصل الثاني: جامعة أوكسفورد كانون الثاني 1976 ما إن انتهيت من إلقاء محاضرة هناك حتى أتى إلي شخص مهيب الطلعة يستوضح بفهم ممتاز عن أمور عدة استوقفته في ما قلت . بعد أن أجبته قدم لي بطاقته الشخصية فإذا به الأستاذ الدكتور صفاء خلوصي، تملكتني دهشة مغتبطة قلت له: هو انت اذن من كشف عن أصل شكسبير العربي. ضحك وقال: كانت رسالتي للدكتوراه عن أثر الشرق في مسرحيات شكسبير، فسادت عني تلك الدعابة التي تزعم بأنني قلت: إن أصل شكسبير من العراق.
أشعار الشيخ إسبر كانت، منذ الأربعينات وحتى الآن، ماثلة في ذاكرتي، ماإن أنشدت البيت الأول منها حتى أكملها الدكتور خلوصي، وقهقهنا معاً، وانطلقت بيننا صحبة أيام حلوة معه ومع زوجته الدكتورة صبيحة الدباغ.
انتهى الفصل الثاني، ومن الطريف أن الدكتور كمال قدم لنا فصلاً ثالثاً من القصة، وبه اكتملت بل هل اكتملت؟ أم سنشهد فصولاً أخرى منها؟
وكل المودة الى الدكتور كمال الذي لن أنسى أنني عرفت فضله على صافيتا، وعلي، لحظة دخلت إلى مكتب مدير كلية سانت أنطوني في جامعة اكسفورد على جدار المكتب فاجأتني صورة صافيتا ببرجها الشامخ وفي وسط واجهته، كما بدا في الصورة يشمخ السقف القرميدي الذي يتوج بيتاً كانت فيه ولادتي.
drjabbour@mail.sy