واقلام، مقعد، ونور هادىء الجميع ينامون، وحده يبقى مستيقظا حتى طلوع الفجر يعمل ويعمل، راهب في صومعة، هذا الراهب ذو الجسد العليل قدم للمكتبة العربية زاداً يغذي نفوس قراء العربية إلى زمن طويل.
ذلك هو د. سامي الدروبي بشهادة جورج صدقني أحد أصدقائه لا يكل ولا يمل من العمل المتواصل وهو الذي رد على احتجاج زوجته من انكبابه على العمل رغم مرضه قائلاً:
سأظل أعمل وأعمل لأنني مؤمن أن الحياة بلا عطاء لاقيمة لها، والموت أشرف منها وقد ترجم الموسيقي الأعمى وهو مريض في المشفى الجامعي بموسكو وقدمه مجانا كهدية لدار التقدم في العاصمة نفسها ليتقاضى فيما بعد أكبر جائزة عليه، إذا بلغت عدد نسخ الكتاب التي صدرت منه خلال ثلاثة أعوام 275 ألف نسخة، وأصبح أحد مقررات الصف الثالث الإعدادي عام 1967 وليدخل هذا الكتاب كل بيت في سورية فضلاً عن إنجازه ترجمة أعمال دوستوفسكي الكاملة وهو مريض بالقلب لا يستطيع حتى أن يستلقي على سريره أثناء النوم والتي صدرت في ثمانية عشر مجلدا ما يزيد عدد صفحات كل مجلد عن 700 صفحة، وتتضمن هذه المجلدات رواية«الفقراء» و«المذلون والمهانون» و«الليالي البيضاء» و«في القبو» و«الجريمة والعقاب» و«الأبلة» و«الشياطين و«المراهق والاخوة كارامازوف» وقصص دوستوفسكي القصيرة.
وما إن انتهى من ترجمة الأعمال الكاملة لدوستوفسكي حتى بدأ بترجمة الأعمال الكاملة لتولستوي وهو في صراع بين الحياة والموت، وعلى الرغم من ان الفحوصات الطبية أكدت أن علته القلبية تقدمت، ولن يعيش أكثر من عامين ، إلا أن حبه للحياة والعمل جعل الله يمد في عمره سبع سنين، كانت أكثر سني حياته عطاء وأثمنها وأغزرها إنتاجاً، إذ حقق خلالها نتاجا أدبياً وفكرياً كبيراً.
وتتردى أوضاعه الصحية إلى درجة لايستطيع فيها الحراك فشرايينه الثلاثة مسدودة ومتضيقة ,ورغم ذلك كله أصر قبل ساعة من الرحيل على الذهاب إلى مكتبه ليصحح كلمة كانت أقلقته في الليلة السابقة، وبالفعل أمسك القلم وصححها، ليقضي نحبه بعدها في 12/2/1967، وهو مرتاح البال قرير العين ، وقد أدى رسالته على أكمل وجه وترك للأجيال بعده وصايا لا يمكن أن تنسى أبدا ومنها: ألا يترجموا إلا النافع والمفيد،ولا يبدؤوا بالترجمة إلا بعد تمكنهم من اللغتين العربية والأجنبية، حتى لا يهبطوا إلى الركاكة، فالشباب متعطش إلى قراءة الإنتاج الأجنبي الدسم.
رحل وبقي القدوة والمثل في الترجمات المتميزة والتي يتوهم قارئها أنه يقرأ نصاً عربياً أصيلاً لم ينقل عن لغة أخرى وقد قال عنه المستشرق الروسي كراستوفسكي« لو كان دوستوفسكي عربياً لما كتب أجمل من هذا.
رحل وهاجسه إخراج مؤسسة لكتاب الجيب تطبع روائع التراث العربي، وروائع التراث الإنساني وتوزعها على الناس في الوطن العربي.
فهل سيتحقق الحلم؟