تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


آل سعود وجرائم الإفساد المقصود

شؤون سياسية
الأحد 18-8-2013
عبد الرحمن غنيم

هناك مثلٌ في بلادنا يقول « من يريد أن يعمل جمّالاً عليه أن يعلي باب بيته » . وهذا المثل ينطبق الآن على آل سعود بشكل خاص , في ضوء ما يبيّنه سلوكهم السياسي . فالكل يعرف الآن ,

وبشكل لا لبس فيه , أن آل سعود يقفون وراء العصابات السلفية الإرهابية , وهابية وغير وهابية , التي تدّعي وصلآً بالسلفية , وأنهم يقومون بتعبئة وتدريب وتمويل وتسليح هذه العصابات , وتأمين الخدمات المختلفة لهم بدعوى السعي لإقامة خلافة إسلامية .‏

وإذا كانت هذه العصابات تدّعي أنّ غايتها هي إقامة الخلافة الإسلامية , فمن حق الناس أن تتساءل : هل هو من الضروري حتماً أن يبدأ إنشاء الخلافة الإسلامية من الأراضي السورية أو العراقية أو الأفغانية أو الشيشانية , وليس من الأراضي الخاضعة لسلطة آل سعود حيث توجد مدينتا الإسلام المقدستان مكة المكرمة والمدينة المنورة , أو من فلسطين التي تنتظر محرّريها حيث يوجد بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ؟ .‏

أمام سؤال من هذا النوع لا نستبعدُ أن يخرج من آل سعود من يقسمُ بالأيمان المغلظة أن مملكتهم لا تسعى وراء بناء دولة الخلافة الإسلامية , أو دولة الوحدة الإسلامية , مع العلم بأنّ مثل هذا السعي – لو صحّ – ليس دليل اتهام , فما من إنسان مسلم في أيّ مكان كان يرى في الوحدة الإسلامية هدفاً مرفوضاً , بل لعل مثل هذا الهدف يشكل أمنية هي أم الأماني , وما من عروبي قومي إلا ويرى في الوحدة القومية العربية الشاملة مدخلاً يمكن أن يتابع بوحدة إسلامية أكثر شمولاً . وبالتالي , فليست المشكلة في السعي إلى إقامة وحدة إسلامية كبرى , بل المشكلة هي في تلك المسالك المعوجّة التي يسفك أصحابها دماء المسلمين , ويفاقمون من العداوات بينهم بدلاً من تقريبهم من الهدف الأعلى المرتجى .‏

يدرك آل سعود – بلا ريب – أن التخلي عن نظام المملكة , وتبني نظام الإمارة الإسلامية التي تكون جزءاً من دولة عربية أو إسلامية أشمل , يفرض عليهم أشياء عديدة لا يمكنهم التسليم بها بأيّ حال من الأحوال :‏

أول هذه الأشياء وأخطرها في نظرهم يتمثل في التخلي عن ادّعائهم بالحق في حصر الولاية بآل سعود دون سواهم من العرب أو المسلمين , حيث لا يمكن للفقه الإسلامي , مهما كانت زاوية التفكير أن يقبل باحتكار الولاية من قبل آل سعود , أو أن يحصر فيهم حق البيعة كما هو حاصل الآن فعلياً .‏

إن تأسيس نواة دولة الإسلام في جزيرة العرب مثلاً يفترض تنظيف جزيرة العرب من القواعد العسكرية الأجنبية , وفي مقدمتها القواعد الأمريكية , حيث يبلغ عدد هذه القواعد حالياً قرابة 64 قاعدة . فنواة دولة الخلافة يفترض أن تكون طاهرة مطهرة من مثل هذه القواعد , وأن تكون أيضاً عصيّة على أيّ خضوع للنفوذ الأجنبي . ومن الواضح أن آل سعود لا يفكرون بخطوة من هذا النوع , وإلا لما سمحوا لتلك القواعد بالتفاقم في المنطقة .‏

إن مؤسّسي نواةَ دولة الإسلام يفترض أن يكون أول أهداف الجهاد عندهم متمثلاً في تحرير دار الإسلام من أي احتلال أجنبي . وهنا تبرز مسألة تحرير فلسطين واسترداد القدس من أيدي الغاصبين في مقدمة المهام التي يفترض على نواة الدولة الإسلامية أن تتبناها . وهذا ما رأينا جمهورية إيران الإسلامية بقيادة الإمام الخميني - قدس سرّه - تتبناه منذ اللحظات الأولى لانتصار الثورة الإسلامية في إيران . ونحن لا نرى في سلوك آل سعود ما يدل على رغبة في تحرير فلسطين من الغاصبين وإلا لكانوا قد وجهوا من يدّعون أنها جماعات جهاد ويتولون إدارتها نحو فلسطين بدلاً من دفعها لمحاربة المسلمين . ولما كانوا بناء على الطلب الأمريكي قد دفعوا الشيخ الفلسطيني عبد الله عزام ليفتي بوجوب الجهاد في أفغانستان بدلاً من وجوب الجهاد في فلسطين , وحين أفتى بتوجه المجاهدين إلى فلسطين عمدوا إلى اغتياله في مدينة بيشاور الباكستانية ليدفنوا معه تلك الفتوى .‏

إن نواة دولة الوحدة الإسلامية , ومن منطق العدالة في الفكر السياسي الإسلامي , وكذلك من منطق المسؤولية تجاه جميع المسلمين , يفترض أن تتحمل الأعباء المادية لتأمين احتياجات المسلمين في مختلف أقطارهم إن كانت لهم حاجة , وألا تحجب عنهم الدعم والعون طالما كان هذا الأمر ممكناً . لكننا نرى أن آل سعود لا يراعون حتى حاجة سكان مملكتهم الماسة , ولا يطبقون منطق العدالة في توزيع الثروة بين أفراد العائلة المالكة من جهة وبين عامة الشعب من جهة ثانية .‏

إن نواة الدولة الإسلامية في جزيرة العرب , خاصة وأن فيها المشاعر المقدّسة للمسلمين , يفترض أن تكون أبوابها ومطاراتها وموانئها مفتوحة أمام جميع المسلمين يدخلون إليها بحرية , ودون حاجة إلى جواز سفر أو تأشيرة دخول مسبقة , أو بطاقات إقامة محددة . فمثل هذه الأبواب المفتوحة هي من مستلزمات سلوك هذه الدولة , وآل سعود يعملون بعكس هذا المنطق كما هو معروف .‏

إن نواة الدولة الإسلامية يجب أن توفر من القوة المسلحة ما يمكنها من نصرة المسلمين في كافة أقطارهم , وأن تكون حركتها في هذا السياق غير خاضعة لأي نفوذ خارجي , وأن تلبّي الدول الإسلامية الأخرى إذا ما تعرّضت للعدوان فتهبُّ إلى نصرتها .‏

من المؤكد أن آل سعود غير مستعدين لتلبية أيّ شرط من الشروط السابقة , ممّا يعني أنهم لا يفكرون مطلقاً في أن تتحوّل مملكتهم إلى نواة للدولة الإسلامية . وهذا يرجّح بطبيعة الحال أنهم لا يعقل أن ينتظروا تشكيل نواة للخلافة الإسلامية في سورية والعراق ليواجهوا عندئذ استحقاق ضمّ مملكتهم إلى نواة دولة الخلافة, وهو الإجراء المنطقي المفترض حدوثه في هذه الحالة , سواءً شاؤوا ذلك أم أبوا, حيث من الصعب تصوّر الإجراء النقيض , وهو ضمّ « نواة دولة الخلافة « إلى مملكة آل سعود !! . فإذا كان الأمر على هذا النحو , فما هي الغاية الفعلية التي يسعى إليها آل سعود من وراء إدارة الإرهاب في بلاد الشام والعراق ؟ .‏

إن الجواب الوحيد الممكن على هذا السؤال هو أن آل سعود يفعلون ذلك لمصلحة طرف ثالث . وهذا الطرف الثالث لن يكون بالتأكيد أيّ بلدٍ عربي أو إسلامي , وإنما هو حصراً الكيان الصهيوني . وقد يسارع البعض للإشارة إلى أمريكا , ولكن سياسات أمريكا في المنطقة خاضعة كلياً لابات الكيان الصهيوني . وبالتالي , فإن كل تلبية لأهواء أميركا هي تلبية لأهواء الصهاينة .‏

ومثل هذا الجواب يستدعي بطبيعة الحال التساؤل عن الدافع الكامن وراء مثل هذا السلوك الذي يبدو عجائبياً ؟ .‏

نحن نعرف أن النظام الحاكم في السعودية تبنّى , ومنذ عقود كثيرة من الزمن, سياسة تهدف إلى التخلص من أيّ قوة محلية عربية أو إسلامية في المنطقة, يمكن أن تقود المنطقة أو أن تلعب دوراً قيادياً فيها , أو أن تحقق حلم الوحدة , وبالتالي أن تقلص من دور النظام السعودي . وفي نطاق هذه السياسة كان تواطؤه مع الصهاينة والأمريكيين عام 1967 لشن عدوان حزيران بهدف تقويض أو إضعاف الدور القيادي القومي لعبد الناصر في مصر والبعث في سورية . وفي نطاقها أيضاً كان تواطؤه لإثارة الحرب بين العراق وإيران بهدف ضرب الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 تحت شعار الدفاع عن البوابة الشرقية للوطن العربي في مواجهة ما ادّعوا أنها رغبة إيران في تصدير الثورة الإسلامية , بينما كانت الغاية الحقيقية هي وأد الثورة في إيران وإعادة النفوذ الأميركي والصهيوني إليها . كما أن السعودية قامت بالدور الذي طلبته منها واشنطن بتعبئة من أسمتهم بالجهاديين لمواجهة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان , وهؤلاء هم نواة الحركات الإرهابية التي عبثت السعودية وتعبث بواسطتها في الكثير من الدول الإسلامية . وها هي تحاول الآن تفتيت سورية والعراق ولبنان . وتدير حرب إفساد شرسة فيها , الأمر الذي يهدف إلى تمكين الكيان الصهيوني حصراً من تنفيذ أطماعه التوسعية في المنطقة , مثلما يهدف إلى عزل إيران أو الاعتداء عليها بالتواطؤ مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني .‏

سيقال : ولكن ألا يتصرف حكام مملكة آل سعود على هذا النحو تصرّف الدجاجة التي تعفّر التراب على رأسها , حيث لا يعقل أن يجتاح الصهاينة بلاد الشام ويتركوا مملكة آل سعود خارج حساب الاجتياح والتوسع , ولو على حساب جزء منها كما هو معلوم من ملاحظة خرائط التوسع الصهيوني المضمرة منذ زمن بعيد ؟ . والجواب بطبيعة الحال أكثر من واضح , وهو أن مملكة آل سعود لن تكون بمنأى عن الاستهداف . لكن ما يعني أمراء المملكة يتمثل في استمرار مصالحهم المالية . فالذي يمارس الإفساد المقصود في أوطان الآخرين من خلال تجنيد العصابات الإرهابية التكفيرية , ولا يريد لدولته على اتساعها واحتوائها لجزء من مقدّسات المسلمين أن تكون نواة وحدة عربية أو إسلامية أو طرفاً فيها أو أن تتحمل أعباء الجهاد ضد المحتلين الأمريكيين والصهاينة , لا يمكن أن يكون أميناً لا على مصالح المسلمين ولا على مقدساتهم . إنه يمارس الإفساد المقصود في بلاد المسلمين الأخرى لأنه يرى في ذلك وسيلة للحفاظ على مصالحه الأنانية الضيقة حتى وإن أدى ذلك إلى تمكين الصهاينة من تنفيذ كامل مخططاتهم العدوانية التوسعية في المنطقة .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية