تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الجنايات الدولية ... السلاح الجديد لإخضاع الدول النامية

شؤون سياسية
الاثنين 9-1-2012
إدريس عبد الله قرجاج

يتأكد لدينا يوماً بعد يوم بأن السياسة الدولية بعيدة كل البعد عن الأخلاقيات بصورها الجميلة بالرغم من أن عالمنا العربي يعيش مرحلة تحول كبير في حياته السياسية أدت إلى انقسام الدول العربية

إلى قسمين الأول ما زال متمسكاً بمبادئه الوطنية والقومية المؤمنة حتماً بضرورة الإصلاح في كافة المجالات بما ينسجم مع الخصوصية العربية القادرة على مواجهة التحديات الكبيرة التي تهدد سيادتها ووحدتها وهويتها الحضارية وبالتالي حرمانها من كل أسباب القوة في استرداد حقوقها المشروعة المغتصبة في فلسطين والجولان السوري وما تبقى من أراض لبنانية، أما القسم الثاني من الدول العربية يبدو أنه انخرط من حيث يدري ولا يدري في مخططات الفوضى الخلاقة تحت يافطة التحول الديمقراطي.‏

ووسط هذا كله تبقى السمة الرئيسية الغالبة على السياسة الدولية بأنها لم تكن فعلاً إنسانياً يتكئ على أخلاقيات تبرره أو على شرعية قيمية ناظمة بل على العكس تماماً ظل الانطباع السائد الذي يحكم السياسة الدولية والمتمثلة في أمريكا والغرب الأوروبي أنها دائماً ما تكون مشدودة إلى المبدأ الوحيد الذي يسوغها نحو تحقيق المصلحة والمنفعة لشعوبها حصراً وليس لغيرها.‏

ويظهر هنا بشكل جلي طبيعة الاختلاف الجوهري فيما تراه الشعوب التي ترنو إلى المثل والمبادئ باعتبارها المدخل الحقيقي لسيادة القانون الدولي في العلاقات الدولية بين الدول على قدم المساواة تحقيقاً للعدالة ... في الوقت الذي يرى فيه ساسة أمريكا وأوروبا عكس ذلك تماماً حيث جعلوا من الشرعية الدولية بما تحمله من مثل ومبادئ مطية لطموحاتهم وأداة تحرس مصالحهم وتحميهم من أي مساءلة قانونية وليس أدل على ذلك من ما ارتكبه الرئيس بوش الابن من جرائم حرب دموية تسببت في قتل الآلاف من العراقيين ومثلهم الذين تم سجنهم وتعذيبهم في سجن أبو غريب بأيدي جنوده دون وازع إنساني أو رادع قانوني وفوق هذا وذاك احتلال العراق وتشريد ملايين العراقيين إلى دول الجوار والمهجر البعيد ... وبعد كل هذه الجرائم التي لا تحتاج إلى شهادات إثبات لم تحرك محكمة الجنايات الدولية أي دعوى تجاه بوش الابن باعتباره مداناً بجرائم حرب بحق الآلاف من أبناء العراق الشقيق.‏

ومثال آخر ما ارتكبه القادة الصهاينة من مجازر بحق أشقائنا الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا وجنين وأخيراً في غزة لتمر جرائمهم دون أن يلتفت إليها الضمير العالمي ممثلاً في مجلس الأمن والمحكمة الدولية، وأخيراً وليس آخراً ما يقوم به قادة الناتو عبر آلتهم الحربية التي حصدت أرواح المئات من المواطنين الأبرياء العزل في أفغانستان ومؤخراً في ليبيا أليست كل هذه الجرائم البشعة والشنيعة تم تنفيذها بأمر من قادة الغرب المدعين دوماً بأنهم الأحرص على القيم الإنسانية وأمام كل هذه الجرائم لم نسمع صوتاً ولو خافتاً لمحكمة الجنايات الدولية بل عمدت إلى تجاهلها وعن قصد.‏

بينما تداعت المحكمة الدولية وبسرعة البرق في صياغة دعاويها المستعجلة تجاه الرئيس عمر البشير مصدرة قرارها الشهير الذي يطالب بتوقيفه والذي استند على تقارير شككت في صحتها العديد من المنظمات الحقوقية الدولية.‏

الأمر الذي يكشف وبوضوح حالة الانتقائية التي تتحكم في عمل المحكمة الجنائية الدولية وهي حالة تخالف المبادئ المرساة للقانون الدولي وهي (إلزام دولة باتفاقية ليست هي طرفاً فيها) ومازال رئيسها يمارس مهامه كرئيس شرعي تم انتخابه من قبل الشعب السوداني، لهذه المخالفات وغيرها فإن موقف السودان كان واضحاً وضوحاً لا لبس ولا غموض فيه بعدم اعترافه باختصاص المحكمة الجنائية الدولية على السودان.‏

وبالرغم من الموقف السوداني الواضح فإننا نشاهد اليوم تحركاً محموماً تقوم به المحكمة الدولية عبر رئيسها “أوكامبو” الذي رفع مذكرة جديدة لمجلس الأمن بتاريخ 15/12/2011م حول ملف دارفور علماً بأن مجلس الأمن غير وصي على محكمة الجنايات الدولية وهو تحرك يعكس الطابع السياسي الذي أقحمت المحكمة نفسها فيه وبالتالي انحرافها عن أهدافها وتحولها إلى أداة تدار من قبل القوى الدولية.‏

ومن المهم جداً أن نذكر هنا أن تحرك المحكمة الدولية لا يصطدم بالموقف السوداني فحسب بقدر ما أنه يصطدم بموقف أفريقي حاسم بات يعلم علم اليقين أن المحكمة الدولية ما ركبت إلا لإخضاع أفريقيا باسم الشرعية الدولية الملحقة بموظفٍ صغير اسمه “أوكامبو” وهناك أيضاً موقف دول عدم الانحياز الرافض لتنفيذ أوامر المحكمة الدولية، وكذلك الموقف العربي الذي يتلخص في إيجاد التسوية السياسية الشاملة والعادلة لأزمة دارفور باعتبارها الضمان الوحيد لتحقيق العدالة على الأمد الطويل وإن قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس البشير له تداعياته السلبية على أمن واستقرار السودان وبالتالي أن محكمة الجنايات الدولية ليست المكان المناسب لحل قضايا السودان.‏

واستكمالاً لهذه المواقف المساندة للسودان في معركته المفتوحة مع المحكمة الدولية أصبح لدى عدد من العواصم الأوروبية اتجاه يدعو إلى عدم ملاحقة المحكمة الدولية للرئيس البشير لأن مصلحة الجماعة الدولية تكمن في تطبيع العلاقات مع السودان دعماً للاستقرار بين السودان ودولة الجنوب الناشئة وبغض النظر عن هذا الاتجاه الأوروبي الجديد من كونه صادقاً أم كاذباً إلا أنه حتماً يصب في صالح السودان على أقل تقدير في هذه المرحلة مما يعني أن المحكمة الدولية أمام اختبار صعب قد يدعوها إلى مراجعة شاملة تعاد صياغتها بحيث تخدم العدالة الدولية أم أنها تكون السلاح الجديد الذي يؤكد سطوة الدول الكبرى في التحكم على مصائر الدول النامية وإخضاعها لإرادتها.‏

ولكن في المقابل هل باستطاعتنا أن نعول على العقل العربي والإفريقي الذي بات يعرف تمام المعرفة القوى الاستعمارية الكبرى وأدواتها قديمها وحديثها بأن يضع الخطط المناسبة في مواجهة سياسة الهيمنة وازدواجية المعايير والانتقائية والتدخل في شؤون الآخرين.‏

لنشهد عهداً دولياً جديداً يسمح لنا بمغادرة عهد الإذعان الدولي.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية