دون تقديم ضمانات بشأن أمن روسيا فيه الكثير من علامات الاستفهام بشأن محاولة واشنطن فرض اجندتها على موسكو وترهيبها وترغيبها في آن معاً حيث تحاول الأولى اقناع موسكو بأن مجرد اقامة هذا الدرع سيكسب روسيا اهمية استراتيجية، فعلى حد زعمها كلا البلدين يواجه مصالح امنية مشتركةوتحديات مشتركة، لكن كل هذه الامور لن تمر على القيادة الروسية السياسية والعسكرية فهما الاقدر والاجدر على تقييم ما ستجر الدرع الصاروخية من اخطار على الأمن الروسي.
فقد اعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان مستقبل العلاقات الروسية الأمريكية مرتبط بصورة اساسية بقدرة واشنطن على تفهم دواعي القلق الروسي المشروع ازاء الدرع الصاروخية الأمريكية التي تحمل على النطاق العالمي الشامل بصورتها الحالية اخطاراً على أمن روسيا.واكد لافروف في تصريح له مؤخراًً ان العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية فيها جملة كبيرة من المواضيع الحساسة التي لا تزال تختلف ازاءها وجهات النظر بين البلدين مشيراً إلى ان تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة كان احد الاتجاهات الرئيسية للسياسة الخارجية الروسية خلال العام الماضي..
واكد ان روسيا ستتصدى لمخططات الدرع الصاروخية الأمريكية بالشكل اللازم بغض النظر عن الجهة التي ستتولى زمام السلطة في أمريكا مستقبلاً.ان الولايات المتحدة الأمريكية تنفست الصعداء بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وتداعي الأنظمة التي انضوت ذات يوم تحت اسم حلف وارسو حين اعتقدت بما يشبه اليقين انها انفردت تماماً بالساحة الدولية واخذت على عاتقها رسم معالم النظام الدولي الجديد، وهي التي حددت خلال العقدين الأخيرين بعض المفاهيم والقيم كما يحلو لها واعتبرت كل من يناقض رؤيتها خارجاً على النظام العام، ويستحق العقاب والامثلة على ذلك كثيرةمثل العراق وافغانستان.لكنها عجزت حتى اللحظة عن تثبيت الاوضاع كما تريد، وتوالت اخبار الفشل الذي يقترب في صورته من الهزيمة في كلا البلدين المذكورين.فواشنطن التي اصابها الغرور بعد تفكك دول المنظومة الاشتراكية، لم تراع ادنى شروط الدبلوماسية في علاقاتها مع الآخرين.بينما القناعات الأمريكية تعتمد العنجهية والفردية في النظر إلى المصالح، فلا مصالح سوى مصالح واشنطن، ولا شيء مشتركاً سوى الخنوع امام القوة الأمريكية الجارفه.
تحرص الادارة الأمريكية على تطويع روسيا الاتحادية وتكبيل اقتصادها بالازمات المستمرة، وابقاء انكفائها ومحاولة جرها الى مواقف تقف بالضد من مصالحها الاستراتيجية وتسعى وتبذل جُل اهتمامها للضغط على روسيا لتكون بعيدة عن تأدية دورها الدولي بوصفها قوه نووية عظمى كانت قبل أكثر من عقدين من الزمن تدور في فلكها دولة عظمى كبيرة هي الاتحاد السوفييتي (الاسبق).
ان محاولة القاده الروس اعادة تأهيل روسيا لتؤدي دورها المطلوب على الساحةالدولية، سواء من خلال فعلها الاحادي بوصفها قطباً دولياً محتملاً، ولا سيما انها لا تزال تملك الموارد الاقتصادية والبشرية والعسكرية، وهي صاحبة أكبر ترسانة نووية وأكبر قوة اطلاق للصواريخ، فضلاً على التقدم العلمي الروسي في مجال الفضاء مما يدل على مقدرة تقنية متطورة جداً، أو من خلال الفعل المؤثر في المستوى الدولي الجماعي الذي يمكن ان يضم قوى دولية اخرى وهذا ما نراه اليوم من تأسيس مجموعة دول بريكس التي تضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا، يعد ضرورة ملحة تمليها ظروف الوضع الدولي الراهن، نتيجة الاستفراد الامريكي بالاحادية القطبية ومحاولة الولايات المتحدة الأمريكية الابقاء على هذا الاستفراد لاطول مدة زمنية ممكنة خدمة لمصالحها غير المشروعة في العالم.فروسيا تريد العودة الى زمن الامجاد ولن تقبل امريكا بمشاركة عرشها مع احد، مما جعل روسيا تفكر جدياً الى اقامة تجمع مؤسسي دولي يبدأ من الشرق وآسيا وأمريكا اللاتينية في الميادين السياسية والاقتصادية والعسكرية، يكون الأساس الذي يمكن اعتماده لمجابهة الاستفراد الأمريكي واعادة التوازن المفقود الى عالمنا المعاصر الذي انعدمت فيه كل القيم والمقاييس الانسانية الصحيحة، وبما يحقق الامن والسلام الدوليين ويعطي لهم مكانتهم المؤثرة في هذا المشروع الاستراتيجي والحضاري الكبير.اذن روسيا تصر على ان الحوار والطرق السياسية والدبلوماسية هي الوسيلة الوحيدة التي لا يمكن ان تنتهي امكانياتها وقدرتها على المناورة لحل أي ازمة اقليمية أو دولية أو محلية، ويرون في اللجوء الى التهديد باستخدام القوة عاملاً يصعد حدة التوتر ويقلل من فرص ايجاد حلول مناسبة للازمات وخصوصا في الازمة السورية وقبلها في ليبيا وغيرها من الأزمات، كما انهم يرون كيف تستغل الولايات المتحدة القرارات التي تحمل التهديد باستخدام القوة العسكريةوتجعل منها غطاء لتنفيذ ما يناسبها ويلبي مصالحها من مشاريع.
صحفي عراقي