منوهاً لهم بأن كافة الأمور تسير وفقا للمسار الذي خططه وحدده لها. لكننا نتوقف لنتساءل إن كان جادا في اعتقاده هذا لأنه إن ثبت بأن هذا القول المنسوب إليه قد صدر عنه فعلا فإنه يتبوأ في ذلك المرتبة الأولى بين الكاذبين المدعين على مستوى فرنسا و إلا يتعين علينا أن نقر بأنه شخص ذو قدرات خارقة مكنته من تنفيذ كل ما خطط له ونعتبره شخصاً محظوظاً حقق كل ما يطمح إليه، أو يمكن أن نقول بأن في عقله يقبع شيطان يتيح له التوصل إلى كل ما يبتغيه.
يمكننا القول بأن عام 2011 هو عام الحظ السعيد للرئيس الفرنسي لأنه لا يمكن أن يتصور حتى في أحلامه ما جرى من أحداث خدمته في هذا العام. إذ أنه بعد اللغط الذي جرى حوله، إزاء ما عرضته وزيرة الخارجية ميشيل اليو ماري على ديكتاتور تونس زين العابدين بن علي من مساعدة الأمن الفرنسي في مكافحة الشغب وإخماد الاضطرابات في بلاده، غضب الشعب الفرنسي وجرى تنحيتها عن منصبها. لكن ساركوزي استطاع تجاوز هذا اللغط وتقديم نفسه باعتباره منقذاً لليبيا من حكم القذافي.
تمكن ساركوزي بعد الاستعانة بآراء الفيلسوف الأول برنار هنري ليفي، المستشار المقرب منه، من إقناع ديفيد كاميرون بالمشاركة بالحرب على نظام القذافي بعد مباركة من الأمم المتحدة، وانبرى ليجعل من فرنسا الدولة الأولى التي تعترف بالمجلس الانتقالي الوطني الليبي.
يعتقد ساركوزي بأن الفوز في الحرب التي خاضها ضد ليبيا سيجعله يستعيد محبة الشعب الفرنسي التي فقدها بعد فترة قصيرة من انتخابه في عام 2007 بعد أن تبين وجود علاقات ودية له مع أصحاب الملايين والقائمين على وسائل الإعلام، لأننا كفرنسيين نحب وجود مثل تلك العلاقات. وعلى الرغم من كوننا نبدي إعجابا بالرؤساء الذين قدموا المؤازرة والمساعدة لثورات الشعوب المضطهدة، لكن تدخله في ليبيا لم يكسبه مزيداً من الشعبية، إذ أكدت الدراسات واستطلاعات الرأي أن شعبيته آخذة بالتراجع وإنه يمضي في طريقه للخروج من الإليزيه إثر الانتخابات التي ستجري في شهر أيار عام 2012.
لم تفلح المجلة الفرنسية الشهيرة «باريس ماتش» التي نشرت في أعداد الربيع والصيف صوراً للسيدة الأولى كارلا بروني (مرتدية الأزياء الجميلة) في كسب المزيد من التأييد لساركوزي بل لم تزده إلا تقهقرا في نتائج الاستطلاعات الأمر الذي دعاه للتساؤل في غضب عما ينبغي عليه فعله لكسب ود الشعب الفرنسي العنيد.
أثير الكثير من اللغط عما حدث في فندق منهاتن بتاريخ 14 أيار الفائت ذلك لأن المرشح القوي للرئاسة الفرنسية دومنيك شتراوس، الذي كان يشغل منصب المدير العام لصندوق النقد الدولي وحصل على 20 نقطة زيادة عن ساركوزي في استطلاعات الرأي، قد تلقى ضربة قاصمة أساءت إلى سمعته على خلفية اتهامه بالقيام بالتحرش الجنسي بعاملة في الفندق، حيث شكل هذا الاتهام معجزة سياسية تحققت لساركوزي. لكن مع ذلك، فما زالت غالبية الشعب الفرنسي تعتقد أن شتراوس قد تعرض لمؤامرة دنيئة.
على الرغم مما أفضى إليه الاتهام من استبعاد لشتراوس فإن ذلك لم يسئ إلى سمعة الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي برز عضو منه ليحتل قمة استطلاعات الرأي وهو فرانسوا هولاند الذي ربما لا يتمتع بذات المستوى من الكاريزما والذكاء الذي يتمتع به شتراوس، وخاصة في مدى قدرته على مجابهة المعضلات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، لكنه يبقى الرجل الذي حظي بتأييد 60% من الشعب الفرنسي لإعطائه الفرصة لتولي إدارة شؤون البلاد.
لقد سبق لساركوزي أن أقسم بأنه لن يهزم أبدا لكنه في كل مرة يخاطب بها الشعب كان يتخذ موقف المتوسل حيث يرجو من الجماهير تفهم ما يعترضه من صعوبات جمة مدعيا بأنه أصبح الوحيد الذي يتعين عليه إنقاذ اليورو وتوجيه السفينة للخروج من العاصفة الهوجاء، ولا يقبل أي نقاش في هذا الادعاء علما بأن الجميع على ثقة وعلم تامين بأن ألمانيا هي القبطان الرئيس للسفينة وأن كل ما يفعله ساركوزي في هذا المجال هو التأمل وإمعان النظر فيما ستتخذه من إجراءات.
يعلم الجميع بأن الرئيس الفرنسي يعمل جاهدا على كسب ود انجيلا ميركل والتقرب منها حتى أكثر من زوجته كارلا بروني، وأصبحنا نراه في برلين وشتوتغارت وفرانكفورت أكثر مما نراه في العاصمة الفرنسية. وقد شهدنا تعنيفه لنظيره البريطاني كاميرون بقوله اصمت في الاجتماع المنعقد للبحث في أحوال السوق الأوروبية المشتركة.
يبدو أن ساركوزي قد كسب بعض التأييد في استطلاعات الرأي التي جرت مؤخرا لكن هولاند، على الرغم من التزامه الصمت بشأن أزمة اليورو وتراجع الاقتصاد، فلا يزال متقدما عليه بحوالي 16 نقطة. ونتساءل اليوم عما ينبغي أن نفعله لمناهضة هذا الرجل المشاكس والحيلولة دون فوزه بالانتخابات المقبلة بعد أن ثبت من أفعاله بأنه شخص متعب للجميع وغير فعال وأن السنوات الخمس التي أمضاها في الحكم مرت علينا وكأنها مائة عام.
ربما لا ترغب غالبية الشعب الفرنسي إعادة انتخاب ساركوزي للدورة المقبلة، لكن مع ذلك فإن الكثير لايزال يتوجس خيفة من فوزه.