فضحت تاريخ الاستعمار الفرنسي فهي سجل توثيقي للغزو الفرنسي لأبرز دولتين جنوب شرق آسيا هما فيتنام و كمبوديا.
واللافت للانتباه أن أشهر دور النشر الفرنسية (لابلياد) هي التي تولت هذه المهمة و أصدرت المجلد الأول و الثاني من أعمال دوراس، و من المتوقع أن تصل أعمالها إلى أربعة مجلدات يكتمل نشرها مع نهاية العام.
وثمة من يرى أن أعمالها رصدت حياة المستوطنين الفرنسيين في فيتنام خاصة في مدينة سايغون الأمر الذي جعلها تنتقل إلى الشاشة الفضية فتحقق نجاحاً باهراً. أما السؤال الأبرز الذي طرحه المتابعون الفرنسيون:
لماذا تستهوي دوراس قراء اليوم؟ ألأنها يسارية تقدمية و صاحبة مسرح واقعي مقاوم، أم لأنها ناطقة باسم الحداثة الأدبية في الساحة الفرنسية وربما لأنها سبقت عصرها من خلال تنديدها بالممارسات اللا إنسانية لأخطر أشكال الاستعمار و الامبريالية في فترة ما بين الحربين.
هذه العوامل كلها مجتمعة أعطتها حضوراً لا يمكن تجاوزه و إن كان قد انكفأ قليلاً، و بالعودة إلى أدبها نرى أن الواقعية قد صبغت معظم أعمالها كما في رواياتها: «سد في وجه الهادي»، «هيروشيما يا حبي»، «العشيق»، «تدمير» كما تستقطب دوراس الروائية و المسرحية والسينمائية التي احترفت كتابة السيناريو و الاشراف على إخراج الأغاني- تستقطب جيلاً من القراء لم يعش تلك المرحلة الدموية يضاف إليهم اهتمام النقاد بإبداعها ولاسيما إن صدى إعادة نشر أعمالها تردد في الجزائر وتونس و ليبيا، وثمة سؤال يطرح: كيف انطلقت مسيرة دوراس في المقاومة ضد الطموحات الاستعمارية؟
أبصرت النور مرغريت دون آديو مع اندلاع الحرب العالمية الأولى قرب سايغون لوالدين مقيمين في جيادن ويعملان مدرسين، فارق الأب الحياة نتيجة مرض الكساح عام 1920 لتبدأ رحلة المعاناة مع والدتها بصعاب جمة خلال حرب كمبوديا إحدى مستعمرات فرنسا إلى جانب فيتنام.
بعد ذلك انتقلت مرغريت عام 1937 لتنهي دراستها الجامعية وتنال إجازة في الحقوق و الدراسات العليا في القانون ثم مارست التدريس عدة سنوات في السوربون و بعد أربع سنوات وقبل أن تعود إلى سايغون أرسلت مخطوطها الأول إلى دار «غاليمار» وهو رواية نشرتها دار بلون عام 1943 وحملت عنوان «من لا يخجلون». بعد ذلك انخرطت مع زوجها في المقاومه و قد تم توقيفه على أيدي النازيين عام 1944 فولدت معاناتها رواية جديدة «الألم» وفيها تكتب كيف عادت إلى داشو عام 1945 و عادت ثانية إلى هذا الألم في سيرتها الذاتية عام 1985.
ومن محطات حياتها أنها انتسبت عام 1945 للحزب الشيوعي الفرنسي و كانت من أنشط عناصره حتى عام 1950 و خلال تلك الفترة نشرت عام 1947«الجنس البشري» وأسست ما يشبه صالوناً أدبياً من الأدباء التقدميين والشيوعيين لكنها سرعان ما ابتعدت عنهم مطلع الخمسينيات مع أنها ظلت تناضل من أجل السلام و قضية المرأة واستقلال الجزائر.
في عام 1950 نشرت روايتها الحدث «سد في وجه الهادي» وفيها تروي الممارسات التي قامت بها فرنسا في كمبوديا وعاشتها مع والدتها و تفضح كيف استغلت فرنسا أراضي كمبوديا الخام الغنية بكل الثروات. ثم تلتها «بحار جبل طارق» و «أحصنة تاركينيا» وكلا الروايتين تناولتا ممارسات فرنسا التعسفية في فيتنام وكمبوديا وهما أشبه بالسيرة الذاتية والرواية التسجيلية لكنها عام 1958 ابتعدت عن الاسلوب التسجيلي وباشرت بكتابة سيناريو: «هيروشيما يا حبي» ثم جاء سيناريو «خطف شتاين» الذي عده النقاد أروع أعمالها لأنها اهتمت بجمالية الاسلوب، وهذا ما يميز أيضاً روايتها «الأغنية الهندية» الصادرة عام 1973 لتتوج العقد الذهبي لأعمالها الصادرة بين أعوام 1964-1973.
إن إعادة نشر أعمال دوراس الكاملة اليوم يعد حدثاً أدبياً هاماً لأنها بكل بساطة تؤرخ لفرنسا و ما جنته على مستعمراتها على الصعد كافة.