المحاك من مفردات متداولة لا تثقل على القارئ الصغير رغم أنه قد لا يستوعب جمالياتها،
ولكن هذا لا يعني وجوب الانسحاب من هذه الخاصية السردية التي تنجح في الكثير من الأحيان في الوصول إلى المتلقي الصغير الذي يبحث عن المتعة والتشويق والطرافة، ولا يسعى إلى الحصول على النصيحة والعظة والإرشاد.
إن الحضور الإنساني والتواصل بين الأفراد في قصص الكاتبة هو قيمة مطلوبة بذاتها، ففي قصة (لنرسم أيضاً) ليس جمال اللوحة التي يرسمها الطفل على سبورة الصف مقصوداً لذاته، بل التفاعل بين التلاميذ، فسوسن ظنت أن هادي زار قريتها ورسمها، وشعر سامر كأنه يشم رائحة الأقحوان، بينما كادت يسرى تسرع لقطف شقائق النعمان، وخيل لعليا أنها تسمع زقزقة العصافير. ورغم ذلك يجد هادي أن لوحته ناقصة لخلوها من إنسان يتمتع بجمال الطبيعة ويستفيد منها. وهذه الفكرة تتكرر بطريقة أخرى في قصة (الكوكب الحزين) التي تتحدث عن طفل يقوم برحلة إلى كوكب المريخ، ولكنه لا يشعر بالسعادة لأن ذلك الكوكب خال من الأشجار والحيوانات والطيور والبشر، لهذا سرعان ما يعود إلى الأرض، فقد شعر بالشوق، حتى إلى صديقه الذي كان متخاصماً معه. ولأن الكاتبة توخت الواقعية في مجمل قصصها، فقد خرجت من الخيال الجامح في هذه القصة بأن جعلت رحلة الفضاء ليست أكثر من مشاركة بطل القصة في فلم للأطفال. وتتأكد مقولة الحضور الإنساني وضرورة التواصل في قصة (حلو كالعسل) التي تدعو إلى التسامح بين الأطفال وغفران الأخطاء لتستمر الصداقة.
أما بعض القصص فقائمة على المفارقة غير المتوقعة في الخاتمة، حتى إنها قد تقترب من الطرفة، مثل قصة (عروسة الزعتر) وأجد أنه من المناسب القول (شطيرة الزعتر) ليس حرصاً على سلامة اللغة العربية فحسب، بل طلباً لتبديل صورة الأنثى في مجتمعاتنا الذكورية. ويفاجأ بطل هذه القصة الأعمى بأن الحمار التهم شطيرته، وعلى الرغم من ذلك لا يغضب البطل، بل يضحك بسعادة غامرة من هذا الحدث الغريب. وفي هذه الخانة تأتي قصة (ماذا وراء الخزانة) حيث يكون صرصور الحقول هو المختبئ وراء الخزانة، وليس العصفور كما توقع الطفلان.
تعالج الكاتبة موضوع الحسد والغيرة في قصتين، والملفت للنظر أن هذه القيم السلبية لم تشأ الكاتبة أن تحملها للأطفال، أو حتى للكبار. ففي القصة الأولى (زهرة اللوتس البيضاء) هناك نبتة ذات أوراق خضراء لا غير تحسد زهرة اللوتس البيضاء لشكلها الجميل ورائحتها العطرة، فتحاول الإيقاع بها، ولكن سرعان ما يرتد الشر إليها وتأخذ في الذبول تدريجياً. أما في القصة الثانية (تاج الملك والنحلة المغرورة) فالنحلة المغرورة ترفض صداقة نبتة تاج الملك لأنها لا تجد أي جمال في تلك النبتة الشوكية، ولكن سرعان ما تكتشف أن تلك النبتة الشوكية تستطيع تقديم ورود جملية ومدهشة.
لا تخلو القصص المتبقية من المتعة والفائدة، فقد حرصت (سريعة سليم حديد) على تقديم حدث يثير مخيلة الطفل، وفي الوقت ذاته قدمت بعض المعلومات العلمية في ثنايا القصة بطريقة غير مباشرة، دون غياب الأهداف التربوية التي تحض على الخير والحب والجمال، وهذا أحد ميزات قصص الأطفال الناجحة.
العنوان: تاج الملك والنحلة المغرورة
المؤلفة: سريعة سليم حديد
الناشر: اتحاد الكتاب العرب 2010