الأمر الذي أشعل الغضب في نفوس أولئك الذين ينظرون إلى ضرورة عقد اتفاقية سلام مع سورية بشكل فوري, ويعتبرون ذلك من الأمور الملحة التي تقتضيها الظروف الحالية.
لقد كان أمامنا بالأمس فرصة تمكننا من الوقوف على النوايا السورية في عقد سلام معها, لكنه يبدو أن تلك الفرصة ماتت قبل أن تأخذ مسارها لترى النور.
تزامن الرفض الإسرائيلي مع عدم الاستقرار في الساحة الفلسطينية ورفض حماس المستمر الاعتراف بإسرائيل, وسقوط قذائف القسام على المستوطنات, والعنف الداخلي, وعدم التمكن من تأسيس حكومة وحدة وطنية في الجانب الفلسطيني, كل تلك الأمور جعلت الفرص أمام التحرك الدبلوماسي ضئيلة جداً.
لقد آن لنا أن نتخلى عن محاولات التوصل إلى اتفاقيات منفردة نعقدها مع شركاء( نختارهم) بأنفسنا, إذا إن ماتم في الماضي من اتفاق مع كل من مصر والأردن يتعذر تطبيقه مع كل من رام الله وبيروت ودمشق في الوقت الحاضر.
إذن ليس أمامنا من خيار سوى العودة إلى اتفاقية مدريد عام 1991 وتطويرها كي يتسنى لنا تحقيق اتفاق شامل في الشرق الأوسط, إذ إن مانخشاه اليوم أن تواجه إسرائيل لوحدها أطرافاً متعددة إن هي استمرت بمحاولاتها عقد اتفاقات منفردة مع بعض الأطراف واغفال آخرين, وفي كل الأحوال فإن المجتمع الدولي سيقول كلمته في هذا المضمار.
يؤكد جل المشاركين في مؤتمر مدريد على ضرورة وضع صيغة شاملة تستند إلى المبادرة التي أطلقتها المملكة العربية السعودية وتبناها مؤتمر القمة العربية الذي عقد عام ,2002 وأكدها وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الذي جرى مؤخراً. لكن المعضلة التي واجهتنا هي كون تلك المبادرة قد تزامنت مع الانتفاضة الثانية التي تمت بهاعمليات انتحارية لم يسبق لها مثيل, الأمر الذي جعل الحكومة الإسرائيلية تتذرع للحؤول دون القيام بأي حوار جدي حول مضمون مبادرة السلام العريبة. وفي كل الأحوال فإن خيار السلام لم يلق مايستحقه من اهتمام على الرغم من وضعه على طاولة صانعي القرار أكثر من مرة.
إن مبادرة السلام المعلنة,والتي كانت الأولى التي أقرت من قبل 22 دولة عربية مشاركة في هذا المؤتمر ستجعل كل دولة من تلك الدول ملتزمة ببنودها فضلاً عن الالتزام الجماعي لتلك الدول بتنفيذها.
لاشك أن المبادرة ترمي إلى التوصل لتحقيق اتفاق سلام شامل وبما يوفر الأمن لإسرائيل في ضوء التزام الدول المجاورة بتحقيق الأمن الاقليمي وإنهاء النزاع, الأمر الذي سيفضي إلى الاعتراف بإسرائيل( وفق ماصرح به الأمين العام لجامعة الدول العربية) وتطبيع العلاقات مع الدول العربية كافة, ويتعين في هذا السياق أن يتضمن الاتفاق حلاً لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين( حتى ولو استند الحل على القرار 194 الصادر عن هيئة الأمم المتحدة) بحيث لايتناقض مع المصالح الإسرائيلية.
تشير المبادرة إلى ضرورة اعتراف إسرائيلي بدولة فلسطينية مستقلة وهذا المطلب سيحقق المصلحة الإسرائيلية بدرجة قد تفوق مايتحقق للفلسطينيين, علماً بأن حركة حماس لاتصر على إنشاء مثل هذه الدولة في ظل الواقع الحالي. أما بالنسبة لإسرائيل فقد يكون اقتراح إنشاء دولتين متجاورتين لكل من الشعب الإسرائيلي والفلسطيني هو الفرصة الأخيرة لتطبيق مثل هذا الأمر.
وإننا إذا أمعنا النظر في المعضلات القائمة والتي أتت المبادرة على ذكرها وهي مطلب الانسحاب الكامل إلى حدود 1967 فإنه يتعين علينا في هذا السياق أن نمعن النظر في تصريح وزير الخارجية الأردني السابق مروان المعشر الذي قال بأن أي مطلب ترى إسرائيل تغييره سيكون موضعاً للحوار والمناقشة.
إن كلمة( نعم) إن صدرت عن أولمرت ستكون المنفذ السياسي له في الوقت الحاضر وبذلك فإن ماتعذر تحقيقه من محاولة عقد اتفاقيات ثنائية سيحتمل تحقيقه عبر الالتقاء كمجموعة, إذ إن التأثير الذي يحدثه العرب على الفلسطينيين ستكون له فاعلية أكبر بكثير من التأثير الذي تحدثه إسرائيل منفردة, مع العلم أن الكثير من الإسرائيليين يؤيدون ما انتهى إليه مؤتمر مدريد ولن يكون أمام الرئيس الأميركي إن تم التوصل إلى تفاهم استناداً إلى نتائج هذا المؤتمر إلا تأييد ما تسفر عنه نتائج المفاوضات من اتفاقيات.