ظنا منه أنه سيحقّق,بابتعاده عن الحلم والتأمل,الكثير من الحاجات المادية,التي تخدمه في بقائه ومعيشه وحياته... وينسى أن النفس تتعافى أولا بالتأمل وتغدو أكثر مقدرة على الأداء الإنساني والحياتي.
موفق المحاميد لعلّه وفّق في بناء جسر بين واقع العيش واحتياجاته وواقع النفس والتأملات الرامية إلى إبهاج الحلم,ومدّه بطاقة الحياة الروحية,التي لا تساويها الطاقات الأخرى المراد تحقيقها على مستوى السلوك اليومي.
لم يهرم هاجس الشعر,تحت ثقل الفعل الوظيفي الإداري..وظلّ يبحث عن فرصة القصيدة.. وبقي موفق المحاميد يتحاور مع رغبة الشعر وشهية الصعود باتجاه الأحلام,ولم يسع الى أية قطيعة دائمة مع الشجن واحتياجات الأسى والتلاقي مع الحبر..وكثيرا ما يجرّ التحاور مع التأمل الى فعل الأسى المثمر,القادر على تشكيل حروف جر وعطف شعرية,تعلو على حركات الحياة المادية,وتتفوق على معطيات الفعل المعيشي,الذي لا يقدر على تطوير أدائه باتجاه التأمل,بل ينحصر نشاطه وتأثيره في إطار خدمي وحياتي ضيق...الكلمة المولودة من حواريات تأملية,هي أقرب ما تكون إلى القصيد الشعري,وهي تفتح خواتيم دلالاتها باتجاه حياة نفسية رضية,تسوّر في يوميات الشاعر قناعاته.
عند مفترق الخريف
عندما تزول أوراق الحزن
عن شغاف القلب
وتتعرى الأوردة
من حطامها
ويطوف الوجع بجناحيه
في صمت أرجواني
فوق الحطام المبعثر
لمملكة الروح
ويتوقف الوقت
بين أهداب العين
كبارقة من حنين
وتسافر من حنين
وتسافر الأشياء وحدها
دون اتجاه
ودون معنى
عند ذلك المفترق
أنتظر العبور المؤجل
على جمر الملل
وصقيع الكآبة
في العديد من عناوينه يميل موفق المحاميد الى صياغات لغوية,تعبّر عن مخزون تأملي,وتحتكم إلى سيرة العمر المتعارك مع صخب الاحتياجات المعيشية,من أجل احتياجات أخرى فنية,يوّد الإمساك بها,والإبقاء عليها كإحدى القناعات والعلامات والعناوين.