|
أمسية في الذاكرة آراء شهد ظاهرة فنية موسيقية-غنائية,أحيتها فرقة (كورال حلب),في صيغة تكاد تكون فريدة من نوعها على مسارحنا.فعلى وقع ألحان الأغاني التي قدمت على مدى ساعة ونصف الساعة تقريبا,ومقاربتها لمشاهد مرافقة لكلمات الأغاني,انعكست على الشاشة في صدر القاعة تروي حكاية شعب,لم يستمتع الحضور بمستوى اللحن ومعنى الكلمة وبراعة الأداء فحسب,بل أيضا بقدرة هذه الفرقة على صياغة ما قدمت ويمكن إدراجه تحت عنوان الخصوصية في فن الأداء الكورالي.
وبغض النظر عن الانفعالات التي تبدّت خلال الاستماع الى بعض الأغنيات الحماسية الوطنية,وبينها,على سبيل المثال(رقصة الاتحاد) و(سورية حبيبتي) في الجزء الأخير من الحفل,فإن ما جرى تقديمه قبل هاتين الأغنيتين,جاء برهانا ناصع الوضوح على أن الفن الذي يستحق بحق هذا الوصف,قادر على صياغة موقف ما. هنا كان الموقف حماسيا الى حد انتزاع التصفيق لفترات طويلة ومتعددة بعد كل أغنية.وحين أشير إلى موقف ما,لا أرفقه بشرط أن يكون المستمع قادرا على فهم المعاني وراء الكلمات التي صاغها مؤلف الأغنية,إذ يكفيه أن ينخرط في حماسة المستمع الآخر استجابة لروعة اللحن أو الأداء.من هنا القول الذي طالما نردده في أوساطنا الثقافية بأن الموسيقا,هي بمثابة جسر عبور الناس,كل الناس,من ضفة إلى أخرى,عندما تأتي بالمستوى الذي يؤهلها لتكون كذلك. وفيما أحدثته فرقة (كورال حلب)في الليلة ما قبل ثلاثة أيام على مسرح الأوبرا,توضحت فكرة الفرز التي ينبغي أن نتوقف عندها,وذلك لنقرأ جيدا ما هو الفارق بين الذي يشدّ المستمع الى لغة لا يتقنها وهي ملحنة ومغناة,أو بين مستمع إلى لغة يتقنها وهي ملحنة ومغناة ومع ذلك ينفر منها. إن الحفاظ على الهويّة في الكلمة واللحن,من الهواجس التي باتت تطرح نفسها اليوم على بساط البحث,بل وهكذا يجب أن تكون,في هذا الزمن الذي تردت فيه الكلمة ومعها اللحن والأداء ولم يعد ثمة ما يردعها عن مواصلة الانزلاق في هذا الاتجاه. ومن هنا يبدو, بالنسبة لهواة الاستماع إلى مثل ما قدمته فرقة(كورال حلب)وحضور برامجها,أن في حمايتها من خطر الإصابة بفيروس الانزلاق,حماية لهويّة الشعب وتاريخ الوطن في وقت معا. لقد أبدع قائد الفرقة المايسترو آرتون كالمكيريان,ومعه فريقه الذي تألق أكثر من واحد بينهم,خلال أدائه المنفرد تحديدا,بإعطائهم المثل لمن يسعى للانخراط في معركة المواجهة مع الفن المرتزق,لكي تبقى هوية شعبنا وتاريخه في منأى من التشويه عن قصد أو عن غير قصد,وهذا هو الأرجح. إن في مثل هذا العطاء,ارتقاء بحضارة يحاول كثيرون في عالم اليوم أن يعتدوا عليها بالكلمة أو بالفعل,أو بكليهما معا,وبخاصة في زحمة انتشار ثقافة الفضائيات,وبينها من يروجّ لموسيقا إثارة الغرائز بشكل أو بآخر,لتكون ثقافة أجيالنا الاتية مبنيّة على قواعدها السليمة. نعيد التأكيد على أهمية فرقة(كورال حلب) واستمرار ظهورها في مرحلة نحن أحوج ما نكون إلى أمثالها. وثمة في رحاب وطننا ما يمكننا التذكير به, ليكون أرضية لفن يليق بسمعة سورية وحضورها في عصر العولمة,عصر الكلمة الفصل واللحن الفصل,إن صح التعبير, قبل أن يحدث الانزلاق ونفقد كل الأمل بالعودة الى تراثنا الموسيقي العريق. Dr-louka ">@maktoob.com
|