|
جرائم صامتة آراء ويحتاج المصاب به لنقل دم دوري -كل شهر تقريبا- والمصاب به يعيش حياة بائسة ويقضي فترة طويلة في المشافي لنقل الدم, وتحمل المشكلات الكبيرة الأخرى الناجمة عن المرض.
منظر هؤلاء الاطفال, وقد هدهم المرض, ومنعهم من اللعب وحيوية الطفولة مؤلم جدا, لكن المشكلة تصبح أشد إيلاما, وأكثر عاراً اذا عرفنا انه كان بالامكان تلافي هذا المرض -وغيره من الامراض الوراثية- باجراء فحوصات طبية -تحديدا دموية- بسيطة للراغبين في الزواج والانجاب, تبين لهم هذه الفحوصات الامراض الكامنة في اجسامهم وامكانية نقلها لاطفالهم. أحس بالعار -وكثيرون غيري- حين اراقب كيف تعطى تقارير الزواج في سورية, العبارة الروتينية التي تكتب على التقرير الطبي هي التالية: تبين لدى الفحص أن فلاناً (أو فلانة) خالٍ من الامراض السارية والمعدية -وبكامل صحته العقلية والنفسية. تكتب هذه العبارة بسهولة تامة, ودون اجراء أي فحص طبي للراغبين في الزواج- وفي كثير من الاحيان يأتي وسيط أو أحد اقرباء الخطيبين ويبرز هوية العروسين للطبيب فيقوم الآخر بكتابة التقرير دون ان يطلب رؤية الخطيبين حتى!. كيف يمكن اعطاء تقرير طبي ونفي الامراض, وتأكيد السلامة النفسية والفعلية لأي شخص دون أن يخضع للفحوصات اللازمة?!. انعدام الاحساس بالمسؤولية هذا شيء خطير- الأخطر منه غيبوبة القوانين.. أين القوانين الحازمة والساهرة لمعاقبة المقصرين والمتساهلين. لو أن آباء هؤلاء الاطفال -الضحايا- المصابين بأمراض وراثية تسبب بإعاقات وآلام نفسية وجسدية, واثقال المجتمع بفئة تتطلب الكثير من الجهد والمال لرعايتها, لو أن هؤلاء الآباء خضعوا لفحوص طبية دموية وعرفوا انهم حاملين لأمراض خطيرة, ولم يعطوا تقريرا بالسماح لهم بالزواج, ولو مُنعوا من الانجاب أما كان هذا افضل مليون مرة, من السماح لهم بالتكاثر كالقطط وانجاب معوق اثر معوق. يكفي أن نقصد عيادة المعوقين التي يتم فيها فحص اطفال وشبان يعانون من امراض وراثية متعددة وخطيرة, كي ندرك حجم الازمة وأي عار وتقصير كبيرين ذلك التساهل باعطاء تقارير طبية للراغبين بالزواج دون فحصهم. يمكنني أن احكي آلاف القصص عن اطفال يضرسون الحصرم ويدفعون ثمن خطايا الكبار, أطفال شوهت طفولتهم يعانون من عاهات لا أمل بالشفاء منها, ويفرقون بحزن يهد طفولتهم هداً. أطفال يدفعون ثمن جهل الأهل, وتساهل الاطباء في اعطاء التقارير الطبية, وغيبوبة القوانين. السؤال الذي ما عاد بالامكان السكوت عنه وتجاهله: لماذا لا يخضع الراغبون بالزواج لفحوص طبية ونفسية أيضا?!. ومهما كانت تكاليف هذه الفحوص, فإنها غير ذات قيمة تجاه مصاريف وبذخ وتفاصيل لا معنى لها في الاعراس, سوى التظاهر والتباهي. كنت شاهدة على حالة سبعة اطفال عميان, ولدوا من أم مصابة بمرض في شبكية عينها وزوجها ابن عمها مصاب بالمرض الوراثي ذاته. أنجبوا سبعة اطفال عميان, وحين صرخت ذات يوم بالوالدين وقلت: كفاكما انجاباً لهؤلاء المساكين الذين لا يبصرون النور, والذين يتعرضون باستمرار لكسور وجروح بسبب عماهم. قال الأب: يمكن لله عز وجل أن يرزقني بابن سليم. فقلت له: الله رزقنا بالعقل لنفكر ونحاكم. حملات التوعية بالغة الاهمية, وأركز هنا على التوعية التي يجب ان يتحمل الجزء الأكبر منها التلفزيون لأنه يتسلل الى كل أسرة, توعية الناس بواجب اجراء الفحوصات الطبية قبل الزواج, وبخطورة انتقال الامراض الوراثية, شيء ضروري لحماية المجتمع من مآسٍ لا يمكن حلها.. مآسٍ ترهقنا جميعا ماديا ومعنويا. وبعد لا يمكن اغفال الدور الكبير الذي لعبته -ولا تزال- نقابة الاطباء في اللاذقية والتي أقامت ندوة ضخمة في المركز الثقافي حول موضوع التلاسيميا والامراض الوراثية الأخرى, وشددت على ضرورة اجراء الفحوصات الدموية قبل الزواج -وعلى وجوب فحص الخطيبين قبل اعطائهما تقرير الزواج الذي يثبت سلامتهما. ثم قامت بعرض فيلم للتوعية في التلفزيون السوري. بالفعل يجب توجيه الشكر العميق للمسؤولين في نقابة أطباء اللاذقية لوعيهم بخطورة المشكلة وتعهدهم واصرارهم على ايجاد حلول لها والحل الوحيد يكمن في اصدار قانون حاسم بمنع اعطاء تقرير يسمح بالزواج إلا لمن خضع لفحوصات طبية تثبت سلامته, فهل نأمل بصدور هذا القانون قريباً?.
|