ويطمئنوننا أيضاً, سوف ندفع ثمناً قاسياً إزاء هذه الإصلاحات, إلى أن تنتهي المرحلة الانتقالية, وتستقر الأوضاع, لتبدأ بعدها مراحل متتابعة من الرفاهية والنعيم..!
و(يادي النعيم).. فلا نعرف متى نصل إلى هذه المرحلة المستقرة?! بكل الأحوال.. صحيح -على ما يبدو- أن للإصلاحات ثمناً لابد أن تدفعه عامةالناس, وبالتالي لابد أن يكون منعكساً -وبشكل طبيعي- على الأسرة واقتصادياتها, فالأسرة السورية -حالياً- تعيش حالة صعبة, وحسب (إخواننا) المسؤولين لابد لهذه الأسرة أن تنتظر المزيد من المعاناة والخلل في موازناتها وميزانياتها, ما يعني أنها قادمة ولا ريب نحو مواجهات صعبة مع ظروف الحياة, بمقتضيات حالة التطور الإصلاحية.
غير أننا أكثر ما نخشاه في مثل هذه المعادلة القاسية -ربط الإصلاحات بالثمن والمعاناة- أن لا تكون أكثر من شماعة يحمل عليها المسؤولون أسباب فشلهم في عدم القدرة على إيجاد الحلول الفعالة, فكلما أخفقوا في إنجاز خطوة أو تحقيق مكسب, يقولون إنه أمر طبيعي فهذا جزء من الثمن الذي لابد من دفعه خلال تطبيق الإصلاحات.. فيبررون بذلك سوء تصرفاتهم ويجدون -بهذه السياسة- ملاذاً واسعاً لإخفاء العيوب, وتمييع الأخطاء, ودفنها والنتيجة تكون المزيد من المعاناة ودفع الأثمان, ودون إحراز أي تقدم في ميدان الإصلاح المرتجى..!
أكثر ما نخشاه أن يكون الفريق الاقتصادي الإصلاحي في سورية قد استعجل الأمور أكثر مما ينبغي, أو أنه يتعمد إغماض عينيه عن وضع العربة أمام الحصان.. فقبل الشروع باتخاذ إجراءات إصلاحية معمقة للاقتصاد الوطني, باتجاهات احترافية وتقنية معينة, كاتجاهات تحرير الأسعار, وإزالة السدود من وجهة انسياب البضائع والسلع العربية والأجنبية إلى السوق المحلية, كان من الأجدى أن يعمل الفريق, وضمن الإمكانات المتاحة, وهي كبيرة وكثيرة جداً, على رفع سوية الدخل عند المواطنين, وبالتالي عند الأسر السورية, حتى تكون مهيأة للاستفادة أكثر من التشكيلة السلعية الهائلة التي صارت موجودة في الأسواق طولاً وعرضاً.
صحيح أن مستوى الدخل قد تحسن قليلاً عما كان عليه, غير أن هذا التحسن سرعان ما تلاشى في زحمة السلع الكثيفة, التي خلقت عند الأسر السورية احتياجات جديدة, لم تعد قادرة على تأمينها, وصار لابد من فرض سياسات تقتيرية مؤذية نفسياً على الأقل, لدرجة أن الكثير من الأسر تعتبر نفسها أنها غير مستفيدة من مثل هذا الانسياب غير المسبوق للسلع والمنتجات العربية والعالمية, إلى جانب السلع السورية ذاتها الآخذة في التطور هي الأخرى.
ولم يعد من السهل إحراز نجاحات في السياسات التقتيرية, أمام الهزات العنيفة التي راحت تفقد هذه السياسات توازنها, ولعل أبرز هذه الهزات , هي تلك الاغراءات التجارية, التي راحت تدخل عنوة إلى بيوتنا وعقولنا, عبر الحملات الإعلانية المكثفة, التي نصطدم بها كيفما اتجهنا وأينما حللنا.
ففي المنازل تجلدنا المحطات الفضائية والأرضية بمثل هذه الإعلانات يومياً, وكذلك في الاذاعات, وفي الصحف والمجلات, وعلى الطرقات, وفي الشوارع والأزقة, فأينما نذهب نواجه الضغط والتأثير الإعلاني والمزيد من التحريض لاقتياد أنفسنا نحو الأسواق, غير آبهين بالخلل الذي قد يصيب ميزانية الأسرة, لدرجة أن الزميل العزيز (مناف الفلاح) المدير العام للمؤسسة العربية للإعلان, صار من الممكن اعتباره واحداً من أهم أسباب اختلال السياسات الترشيدية للاقتصاد المنزلي, متدخلاً بذلك في موازنات الأسر ونتائج ميزانياتها, التي تعتبر من أهم الاختبارات التي تواجه الزوجين عند الأول من كل شهر, إذ يحتاجان إلى جهود كبيرة لضبطها, بما يغطي احتياجات الأسرة كلها, سواء أكانت دائمة أم طارئة, وتوفير فائض شهري لتأمين مدخرات, تعين الأسر على حياتها.
إلا أن العديد من الوقائع تشير إلى أن الأثر الكبير لارتفاع أسقف الاستهلاك واشتعال الأسعار, أدى إلى وقوع الميزانيات الأسرية في عجوزات كبيرة ومزمنة..
فكان علينا أن نجد سلالم مناسبة لنطول هذه الأسقف, وأن يعمد الفريق الاقتصادي الاصلاحي إلى تزويدنا بالمياه اللازمة لاطفاء حرائق الأسعار, وهذا كله كان يجب أن يحصل قبل أن تهجم علينا تلك البضائع الشقيقة والسلع الصديقة وتضعنا في مثل هذه المآزق.