|
كيمياء المنعة السورية المستعصية الفهم في مؤتمر هرتزليا دراسات وفي هذه المراوحة يتجلى الشعور بالمأزق، فحتى نتنياهو صاحب الباع الطويل في سياسة الابتزاز بالتهديدات ظهر وكأنه حمامة سلام قياساً على ليبرمان، وهذا المظهر سيترك آثاره في الحظوة لدى الناخبين الصهاينة الذين يبجلون الأشد مغالاة في سياسة سفك الدم العربي. تدليلاً على هذه البيئة اقتصر «استنكاراً» اعلاميين صهاينة لعنتريات ليبرمان المتفوه بها بصفة خاصة حيال سورية على كونه استخدم لغة العسكريين من موقع رأس الدبلوماسية. ولأن هذا الارتباك في الخطاب الاسرائيلي حافل بالإشارات والرسائل المتعارضة فإن في وسع المراقب أن يرده إلى المناخ الذي ساد مؤتمر هرتزليا هذا العام، والذي اختتم أعماله في 2/2/2010. فما الذي جرى في المؤتمر؟ وأي قراءات سادت؟ بادئ ذي بدء نشير إلى أن مؤتمر هرتزليا ينعقد دورياً كل عام منذ اندلاع انتفاضة الأقصى، تحت شعار ميزان المناعة والأمن القومي «الاسرائيلي»، وينخرط في مداولاته صناع القرار الصهيوني شرق المتوسط وعلى ضفتي الأطلسي الغربية والشرقية، بمن في ذلك المسؤولون الاسرائيليون الحاليون والسابقون في التشكيلة الحكومية وقادة الأحزاب وأجهزة الأمن والاستخبارات وضباط عاملون ومتقاعدون وخبراء في الاقتصاد وعلم الاجتماع وعلم النفس والمعلوماتية، وينضم إليهم خبراء غربيون من أوروبا والولايات المتحدة في الحقول نفسها، يتقدمهم جنرالات ودبلوماسيون ومختصون في معاهد الدراسات الاستراتيجية، ومهندسون في صناعة الإعلام. وقد كان لافتاً هذا العام أن يشارك في مداولات ميزان المناعة والأمن الاسرائيلي سلام فياض رئيس حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية المنبثقة عن اتفاق أوسلو، جنباً إلى جنب مع الجنرال الأميركي كيث دايتون المكلف بمطاردة المقاومين الفلسطينيين في الضفة الغربية لاختطافهم وقتلهم. وفي أي تحليل فإن مشاركة فياض في أعمال مؤتمر هرتزليا خرق اسرائيلي جسيم في الخندق السياسي الفلسطيني، يتمم الخرق الاسرائيلي في المستوى الإعلامي العربي الذي تحدثت عنه تسيبي ليفني في مؤتمر هرتزليا نفسه قبل عام تماماً، وأثنت خلاله على جهود عدد من الإعلاميين العرب، ذكرتهم بالاسم في خدمة الأمن القومي الاسرائيلي ووصفتهم بأنهم أفضل سفراء لـ «اسرائيل» في الخطوط الخلفية للعرب، أمثال عبد المنعم سعيد، أحمد الجار الله، عبد الرحمن الراشد، نصير الأسعد، صالح القلاب، وآخرين. أما القنبلة الصادمة للمؤتمر هذا العام فهي التي فجرها الجنرال شاؤول موفاز، رئيس سابق للأركان ووزير في حكومة نتنياهو الحالية بصيحته المدوية: الوقت ليس في مصلحتنا. موفاز - في صيحته هذه - نكأ جرحاً في الأزمة التاريخية للمشروع الصهيوني لايندمل. وفي معاينته لهذه الأزمة شد موفاز انتباه المؤتمر بصفة خاصة إلى الخطر الديمغرافي المحدق بالكيان الصهيوني خلال العقود التالية، والمتكون في التناسب العكسي بين الشح في استجلاب اليهود إلى فلسطين، وبين التزايد المطرد لأهل البلاد الأصليين. وقد التقط الجنرال إيهود باراك رئيس أركان سابق، ورئيس وزراء سابق، ووزير حرب في حكومتي أولمرت ونتنياهو، صيحة موفاز واستخلص منها وجوب الحسم مع سورية حرباً أو سلماً، لإزاحة نهج المقاومة والممانعة في المحيط العربي الذي يفاقم أزمة الكيان الصهيوني التاريخية والذي تقع سورية في صلبه. وبالتبسيطية الميكانيكية وحتى البدائية لمقولة الجنرال كلاوزفيتز: الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى، رأى باراك أنه لامناص أمام اسرائيل من أن تستأنف المفاوضات مع سورية بعد الحرب، التي دأب على قرع طبولها في ذروة استخدامه، بكثافة وسفاهة مفرطتين، للأسلحة الأميركية المتاحة له، وبينها المحرم دولياً، بشهادة غولدستون، أثناء العدوان الوحشي على غزة، قائلاً: هذه رسالة إلى سورية. وقد بنى أفيغدور ليبرمان «حارس سابق في ملهى ليلي في موسكو» على جنوح باراك النازل عند رجحان كفة أكلاف عدوان على سورية على مردوده، مايجب في« ثقافة» القبضاي الأزعر الدعوة إلى العدوان على سورية. ولم يرد باراك علناً على زعزعة ليبرمان ربما خوفاً من ازدياد تآكل شعبوية الجنرال بين ناخبيه اليهود، وفقاً للقاعدة المشار إليها أعلاه: الأشد تبجيلاً، لدى هؤلاء الناخبين هو الأشد سفكاً للدم العربي، ودعائه، بل إن نتنياهو أوعز إلى مكتبه بإصدار بيان تهدئة، ربما إعمالاً منه لحراك الموازنة بين أكلاف عدوان على سورية وبين مردوده، الحراك الذي دارت مداولات مؤتمر هرتزليا على أساسه. أما مايستعصي على فهم النخب الصهيونية فهو كيمياء الممانعة السورية التي تجسد آمال العرب، وتشل فاعلية الخروقات الاسرائيلية في الصف العربي، وتفاقم أزمة المشروع الصهيوني SIWAN.ALI@GMAIL.COM">التاريخية. SIWAN.ALI@GMAIL.COM
|