بعض السيدات يشعرن أحيانا بتيار الملل يسري في عروقهن ويحاولن التخلص منه بكل الوسائل المتاحة ثم فجأة تبدأ رحلة البحث عن الوسيلة الملائمة.
تقع عينا السيدة صاحبة الملل على المكتبة التي يفخر زوجها بأنها تضم كتبا من عيون كتب التراث العربي الغني بكل ما يغذي العقل ويوسع القاعدة المعرفية فتشعر السيدة بفتور غريب تجاه المكتبة وتكتفي بإرسال نظرة ناقدة تنتقد فيها طريقة ترتيب الكتب حسب الموضوعات بينما هي تفضل ترتيبها وفقا للون غلاف كل كتاب، فالمكتبة بنظرها تشبه حديقة وعليها الاعتناء بتنسيق ورود هذه الحديقة لكنها ورود اصطناعية تخلو من أدنى أثر للحياة.
تنتقل بعد ذلك ببصرها إلى محتويات الغرفة وهنا تتدفق الأفكار كرة ثلج تكبر تدريجيا هذه المزهرية ليست مناسبة لهذا النوع من المفروشات، الصورة المعلقة على الجدار تبدو باهتة والغرفة تتطلب ألوانا تدخل البهجة إلى القلب وتنشرح النفس لها الهاتف يجب تبديله لأن لونه لا يناسب ديكور الغرفة.
وعند الوصول إلى الهاتف تشعر السيدة أنها وصلت إلى مبتغاها وعثرت على طارد الملل ومطارده وقاتله إنه الهاتف أنيسها في وحدتها سميرها في وحشتها إنه عالمها الفسيح الرحيب، تضغط بأناملها على الأزرار فيرن الهاتف في بيت صديقتها التي تعاني مللا لا يقل ضراوة عن ملل الصديقة صاحبة الاتصال.
عبارات السؤال عن الصحة والأولاد مدخل مناسب لحديث هاتفي يطول ويطول وقد يمتد عدة ساعات.
الحديث ينتقل انتقالا غير منطقي من موضوع إلى موضوع والضحية هنا الوقت الذي يهدر بلا حساب.
الزوج المسكين يعود من العمل وعصافير بطنه تزقزق ممنيا نفسه بوجبة دسمة مما لذ وطاب يصل إلى البيت فلا يشم رائحة الطعام الشهي وقد ملأت أرجاء المطبخ الذي يراه المكان الاستراتيجي الأهم ساعة الوصول إلى المنزل بعد يوم عمل شاق طويل.
الأولاد كذلك يعودون وهم يتصورون أن الطعام الشهي يفتح لهم ذراعيه وهم الذين كانوا ينتظرونه على أحر من الجمر.
تفطن المرأة بعد وصول الزوج والأولاد المساكين على أنها فرطت بحق مهم من حقوقهم وتدرك أنها أهدرت وقتا طويلا بالحديث الهاتفي مع صديقتها وعبثا تحاول إصلاح ما أفسدته يدها.
تتكرر القصة مرات ومرات وتكون سببا في نشوب الكثير من النزاعات الأسرية والهاتف هو السبب حتى ليمكن القول: في النزاعات الأسرية فتش عن الهاتف.
فيما مضى كنا نعاني من إهدار بعض السيدات الوقت الطويل في حديث هاتفي ليس ذا طائل مع صديقة من الصديقات بدعوى التخلص من الملل، واليوم دخل الجوال باستخداماته الخاطئة على الخط ليزيد المشكلة تعقيداً.
فالرسائل المرسلة عبر الجوال ومتابعة الشريط الذي يتضمن عبارات غاية في السخف والتفاهة أحياناً وقضاء الوقت الطويل في متابعة هذه الرسائل المبثوثة على إحدى القنوات الفضائية الفارغة، كل ذلك أصبح عاملا جديدا من عوامل نشوب النزاعات العائلية في الأسر العربية ليتنا نعير هذه المسألة الاهتمام المطلوب الذي يقنع السيدة التي تنفق سحابة نهارها وليلها على الهاتف بضغط الوقت المخصص له لتريح قلب وعقل وجيب زوجها المغلوب على أمره.