الشرط الأساسي هوفقط حصولنا على الحق في الدخول إلى الفضاء الإلكتروني.
ماذا جدّ في عالم النشر والطباعة في هذا العصر الرقمي في العالم المتقدم؟ ومن المؤهل للنشر فيه؟
لقد ظهرت في السوق الفضائي في العالم المتقدم خدمة جديدة في النشر تسمى «الطباعة عند الطلب Print On Demand» واختصارها «POD»، وتسمى أحياناً «النشر عند الطلب»، وهي تعتمد على أن طباعة الكتاب لا تتم إلا بعد أن يصل طلب شراء له، وهذه الطريقة واكبت عصر التحول إلى الطباعة الرقمية التي نافست طرق الطباعة المعروفة منذ غوتنبرغ. وهكذا استبدلت المطابع الصغيرة آلاتها بتجهيزات تناسب الطباعة الرقمية ولحقها الناشرون الأكاديميون بما في ذلك مطابع الجامعات، وأضاف الناشرون الكبار هذه الخدمة إلى طريقتهم المعروفة في حالات خاصة مثل إعادة طباعة العناوين القديمة التي أصبحت نافدة أوفي حالة إجراء اختبار للسوق.
خدمة النشر حسب الطلب POD تناسب الكتاب الذين لا يفضلون الخضوع إلى عملية تحكم من قبل دور النشر التجارية، أوالذين لا يهمهم كمية المبيعات وأرباحها، أوالذين يريدون إنتاج ذكرى للعائلة أوللنسب أوكتاب طبخ لتوزيع خاص، وهكذا، هذه الخدمة هي الاختيار الأمثل. ومن هنا يلاحظ موقع iUniverse.com ملاحظة طريفة عن الكتب التي لا تبيع أكثر من 200 نسخة، لاحظ أن 40% منها تباع إلى المؤلف مباشرة، حيث يقوم بتوزيعها إلى الأقارب والأصحاب. وهذا ما دعا أحد كتاب المقالة في النيويورك تايمز، موتوكوريتش إلى تلخيص هذه الظاهرة في مقالته بما يلي:» إن المسألة تتضح عندما يكون عدد الناس الذين يريدون الكتابة أكثر من الناس الذين يريدون القراءة». ويضيف أيضاً حسب دراسة صدرت مؤخراً عن «إدارة المنحة الوطنية للفنون» بتاريخ 13/5/2009، أنها وجدت الناس الذين يقرأون الرواية الأدبية يزدادون، ولكن قلة منهم يقرأون الكتب الجادة. ويوضح أيضاً في مقالته أن أرباح الناشرين العاديين تبدأ عندما تزداد مبيعات الكتاب، بينما الناشرون من خلال الويب أرباحهم متحققة ولولم يبع الموقع إلا خمس نسخ فقط، والسبب جزئياً يعود إلى أن المؤلف وليس الناشر قد دفع من البدء تكاليف إنتاج الكتاب من تصميم الغلاف إلى الطباعة.
الفرق الأساسي بين الطباعة عند الطلب والناشرين العاديين والمطابع المساعدة هوكلفة الكتاب. دور النشر الهامة والتي لها باع طويل في النشر تطلب من المؤلف ثمانية آلاف إلى عشرة آلاف دولار، وأحياناً يصل المبلغ إلى خمسين ألفاً لإنتاج كتاب سيكون ملكاً للمؤلف. الناشرون الأقل أهمية يعملون على أساس تملك نسخ الكتاب ويدفعون للمؤلف «حقوق المؤلف»، لذلك يهمهم أن يكون الكتاب قابلاً للتسويق بحيث يحقق رقم مبيعات يغطي كلفة طباعته.
ماذا تعني هذه الخدمة في العالم المتقدم للقارئ والمؤلف والناشر والمطبعة؟
طبعاً المعادلات بدأت تتغير
طالب الكتاب لم يعد مضطراً أن يذهب إلى المكتبة ليشتري كتابه، ولديه اختيار أن يقرأ الكتاب مطبوعاً، أويقرأه على الشاشة دون كلفة الطباعة والورق والبريد، ولكن القراءة الواضحة القابلة للتنقل تحتاج إلى جهاز خاص منفصل عن الكومبيوتر مثل جهاز Kindle محصور بيعه مع أمازون، وهناك شركات أخرى تنتج ما يشابهه. هل يوفر القارئ مادياً بهذا الأسلوب أم لا؟ سوف نحسبها فيما بعد.
الناشر لم يعد بحاجة إلى مستودعات للكتب. لا حاجة للتخزين والطباعة بالكميات حسب الاتفاق مع الكاتب، يطبع حسب ما يأتيه من طلبات، وذلك باستخدام المطابع صغيرة الحجم. كما لم يعد هناك من مرتجعات لعدم البيع ولعدم الصلاحية، إذ إن الكتاب يطبع نسخة نسخة عند طلبه.
المطبعة صغُر حجمها وتحولت إلى مطبعة كتاب حسب الطلب، تناسب التطور الرقمي التكنولوجي في الطباعة من مثل: طابعة الكتاب الفوريةEspresso Book Machine حيث تستعمل ورق A4، وهذا يخفف من عبء جعل عدد صفحات الكتاب دائماً من مضاعفات العدد 16، وهي أيضاً تطبع الغلاف المصمم وتلصقه على الورق المجمع ثم تقصه من أطرافه الثلاثة بنفس الوقت، وذلك كله في مدة ثلاث دقائق لكتاب من 300 صفحة. كلفة الطبع هذه ثابتة وليست كالطباعة العادية تتناقص بازدياد عدد النسخ المطبوعة.
المؤلف يحصل على عدة مميزات، أولها وصول مستحقاته مباشرة عند كل طلب لكتابه وذلك بواسطة برنامج خاص مثل الذي طرحته شركة «الكتاب فور الطلب» اسم هذا البرنامج «EspressNet» يستطيع أن يحسب مستحقات الكاتب وكلفة الطباعة ومستحقات الناشر وأن يوزعها إلى حساباتهم الإلكترونية مباشرة بواسطة الدارة الفضائية التي يعمل من خلالها. أما الميزة الثانية والمهمة أيضاً للمؤلف فهي إمكانية تلقيه التعليقات التي تأتيه من المتصفحين والقراء والاستفادة منها مباشرة في تحسين مضمون كتابه متى شاء بعد قراءتها، لأن النسخة المحفوظة عند الناشر هي نسخة إلكترونية قابلة للاستبدال بعد تعديلها من قبل الكاتب. والميزة الثالثة هي أن لديه إمكانية الإشراف مباشرة على شؤون نشر الكتاب من غلافه إلى نوع الحرف المطبوع، أي باختصار يستطيع أن يستغني عن مهمة المحرر التي هي واضحة ومهمة في النشر الغربي وأقل أهمية في البلاد العربية. وهناك ميزة رابعة هي أن أي مؤلف يمكنه استحضار أي كتاب قديم له ونشره من جديد. ويوجد في العالم الغربي مؤسسات خاصة لاسترجاع هذه المؤلفات من مثل «جمعية المؤلفين والصحفيين الأمريكيين» بواسطة برنامج: «ASJA Press»
المؤلف الجديد المغمور والمبتدئ الذي كان يعاني الأمرين في الوصول إلى حالة النشر أصبحت لديه الفرصة للتواجد على ساحة المنافسة، فهولا يحتاج إلى تحقيق مبيعات تناسب معادلة الكلفة والربح المتبناة من الناشر الاعتيادي، فصاحب الكتاب غالباً لا يهتم بعدد النسخ المباعة وأحياناً لا يهدف إلى الربح وإنما هومهتم بنشر كتابه حتى ولولم يبع إلا عدداً محدوداً منه ربما لا يزيد على عدد معارف وأصحاب هذا المؤلف أوالذين يزورون موقعه ويلفت نظرهم موضوع الكتاب.
ثم هناك فرصة جيدة للكتب التي لا تبيع كثيراً، وخاصة الكتب الأكاديمية التي لا يتعدى طالبوها المئات.
لا يمكن للكتاب أن يصبح خارج حدود الطلب بسبب نفاد نسخه المطبوعة، بل أصبح متاحاً في أي وقت للطباعة وتعديل طبعته.
وآخر هذه الميزات هي إمكانية التقاط الكتاب المنشور على الويب من دار نشر مشهورة بعد تأكدها من ردود فعل القراء، كما حصل مع ليزا جينوفا مؤلفة كتاب «Still Alive» الذي استغرقت كتابته عاماً ونصف عام ثم استغرق وقتاً أكثر في إيجاد وكيل أدبي لها. تقول جينوفا: «لم أتلق أي رد على معظم رسائل الاستفسار التي أرسلتها»، ثم تضيف: «أربعة وسطاء لدور النشر فقط من مئة طلبوا أن يروا الكتاب» و»واحدة منهم قالت إنها لا تظن أن من بين القراء العاديين من يرغب في قراءة شيء عن الزهايمر». وهكذا عندما رُفضت من قبل عدة دور نشر تقليدية، قررت جينوفا أن تسلك طريقاً آخر في النشر المعتمد على شركة نشر من خلال الويب «iUniverse» حيث كلفها ذلك 450 دولاراً، بما فيها كلفة رقم ISBN وكلفة إمكانية البيع من خلال Amazon.com. بعد عدة شهور وبعد تلقي تعليقات إيجابية على موقع أمازون ومراجعة من Boston Globe، التقط الكتاب من قبل دار النشر المعروفة والمحترمة Simon & Schuster كما بقي 12 أسبوعاً على لائحة الكتب الأكثر مبيعاً في New York Times Bestsellers List. مع العلم أن فرصة الوصول إلى النشر التجاري ضعيفة حيث تبلغ 20 كتاباً من 10000 عنوان حسب إحصائية من «خدمة Xlibris».
5000 عنوان جديد أسبوعياً
كلفة طباعة الكتاب حسب الطلب في موقع Lulu يتراوح بين 4 إلى 19 دولاراً حسب عدد الصفحات ونوعية الغلاف «سميك أم عادي»، مع العلم أن صاحب الكتاب يدفع هذه التكلفة عند بيعه فقط وليس مقدماً. وموقع Lulu يقدم أيضاً عرضاً لكلفة التحضير للنشر المدفوعة مقدماً تحتوي على تنسيق للنص وتصميم للغلاف والتحرير والتسويق..إلخ، تبدأ هذه الأسعار بـ 300 دولار، وترتفع حسب المطلوب.
أما كمية مبيعاته حسب إحصاءاته منذ بدئه عام 2002 فإنه قام بنشر 820000 عنوان وبزيادة أسبوعية قدرها 5000 عنوان جديد.
المبيع والأرباح في خدمة الطباعة
الناشرون العاديون يبيعون الكتب إلى الموزعين أوإلى المكتبات بسعر يبدأ بـ 55% وما فوق، ويصل إلى 70% أوأكثر من سعر الغلاف في حال الناشرين الأوفست المؤهلين للتوزيع من إنغرام Ingram، والحالة الوحيدة التي يُدفع فيها كامل قيمة الغلاف إلى الناشر عندما يباع الكتاب مباشرة بواسطة البريد.
أما البيع بمبدأ الطباعة حسب الطلب، مثلاً إنغرام تأخذ على عاتقها كتب «لايتننغ سورس» التي تباع بهذه الطريقة وذلك على أساس «خصم قصير الأمد»، بقيمة 55%. أما شركة «كتب فونر» تدرج مثالاُ كتاب «Start Your Own Computer Business» سعر غلافه 14.95 دولاراً أي تعطيهم عليه ربحاً 35%، وهكذا يباع الكتاب بواسطة «إنغرام» و»لايتننغ سورس» وغيرهم من بائعي الجملة بمبلغ 9.72 – 3.09 «رسوم الطباعة» فيبقى للناشر مع المؤلف 6.63 دولار، وهي تشكل 44% من سعر الغلاف. هذا المبلغ هودخل مباشر لأنه لا يتضمن تكاليف التخزين والشحن والتسليم، وأيضاً ليست هناك مرتجعات بسبب الطباعة المتلازمة للطلب. وهكذا وصلت أرباح «كتب فونر» إلى 11000 دولار خلال عام 2003 ببيع 1623 نسخة تحت خدمة الطبع حسب الطلب من الكتاب السابق الذكر الذي كان تحت بند المرشح الضعيف بعدد صفحاته القليلة «168 ص».
ولدى أحد المؤلفين من لوس أنجلوس Mr. Bendat قصة بيع كتابه الذي فشل في إيجاد ناشر له بالطرق المعتادة فذهب إلى موقع iUniverse الذي يقدم خدمة الطبع عند الطلب ونشر كتابه عن طريقهم بكلفة 99 دولاراً للطبعة الأولى. ثم طوره في عام 2004 وفي عام 2008، وقد باع أكثر من 2500 نسخة حتى الآن، ويمكن إيجاده على موقع أمازون بسعر 11.66 دولاراً.
أما الموقع المشهور في النشر الشخصي Lulu.com فإن كلفة طباعة كل نسخة من أي كتاب تتراوح بين 4-19 دولاراً حسب نوع الغلاف «سميك أوعادي» وعدد صفحاته. كما يقدم هذا الموقع ترخيصاً للتحضير للنشر يبدأ بـ 299 دولاراً وذلك مقابل التنسيق وتصميم الغلاف والمراجعة والتسويق..إلخ.
الخلاصة
إن العوامل الثلاثة: الطباعة عند الطلب والتوزيع بخصم قصير الأمد والتسويق من خلال الانترنت، قد قلبت مهنة النشر رأساً على عقب. للمرة الأولى يجد المؤلفون أنهم يستطيعون البدء بالنشر بشكل شخصي إذ يمكنهم أن يكسبوا أكثر مما لونشروا كتابهم في دار نشر رئيسية ومهمة. كما أن دار النشر الصغيرة صار بإمكانها أن تستثمر مواردها المحدودة في استقطاب وتصميم وتسويق العناوين الجديدة، بشكل مضمون أكثر من المغامرة بأطنان من الكتب المكلفة مادياً لبقائها في المخازن.
إن كلفة الكتاب تتضاءل بهذه الطريقة للأسباب السابقة، وكذلك لأن الكتاب لا يحتاج إلى الحصول على رقم ISBN أوSAN للنشر ما دام صاحبه لا يدخل حالة البيع الواسعة مع الناشرين، وإنما يبيع من خلال موقعه أوالمواقع المتعاضدة معه أومن خلال البيع المفرد من أمازون مثلاً.
ما سبق تقديمه هومحاولة لتوضيح التطورات التي أوصلت النشر الورقي الذي كان حكراً على دور النشر صغيرة أم كبيرة إلى أن يتحول إلى نشر رقمي يمكن قراءته من الشاشة أوعلى الورق ولكن بطرق نشر جديدة تسمى «النشر أوالطبع حسب الطلب» أتاحت للمؤلف أن يختصر طريقه بإيصال مؤلفه مباشرة إلى المستهلك بمساعدة دور نشر إلكترونية.
السؤال الآن: ما مدى حصول المؤلف العربي على حقوق تأليفه في كلا طريقتي النشر؟ وهل سيصل إلى نفس الدرجة التي وصل إليها المؤلف في العالم المتقدم من ناحية حقوق التأليف وسهولة النشر في الفضاء الإلكتروني؟