تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حوارات سقراط في أصل الأخلاق

ملحق ثقافي
2018/7/31
حاتم حميد محسن

يلتقي سقراط بآيوثيفرو خارج رواق محكمة أثينا، حيث دُعي سقراط إلى المحكمة من جانب ميليتوس بتهمة إفساد الشباب. آيوثيفرو جاء لرفع دعوة ضد والده،

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

لكونه قام بجريمة قتل غير متعمد لشخص أجير. سقراط يقترح أن آيوثيفرو يجب أن يكون ذا دراية كبيرة بالقانون الديني إذا أراد معاقبة والده. يرى آيوثيفرو أنه حقاً خبير في هذه المسائل، كل ما يهم هنا، حسب آيوثيفرو، هو ما إذا كان لدى القاتل تبرير أو بدونه: نحن يجب ألا نضع استثناءات حتى لو كان القاتل أباً والقتيل ليس قريباً لنا. أبوه ارتكب عملًا مشيناً يلوث سمعة آيوثيفرو وكل عائلته، وهذا الإثم يجب أن يُطهّر بوسائل القانون.‏‏

سقراط طلب من آيوثيفرو أن يعلّمه ما هي القداسة، لأن ذلك التعليم قد يساعده في محاكمته أمام ميليتوس.‏‏

يقترح آيوثيفرو أن القداسة هي معاقبة من يخالف الأديان، لكن سقراط يجد هذا التعريف غير مقنع طالما هناك العديد من النصوص الدينية التي لا تتضمن معاقبة منتهكي الأديان. هو يسأل آيوثيفرو أن يعطيه تعريفاً عاماً يحدد خاصية واحدة تشترك بها جميع الأعمال المقدسة. آيوثيفرو يجيب أن ما هو مقدس هو ما توافق عليه الآلهة. سقراط يجيب أنه نظراً لنزاعات الآلهة فيما بينهم، فإن ما يوافق عليه أحدهم قد لا يوافق عليه الآلهة الآخرون. سقراط يضع جدالاً متقناً يبيّن فيه أن الاثنين ليسا متساويين. ما هو مقدس ينال موافقة الآلهة لأنه مقدس، لذا فإن ما هو مقدس يقرر ما توافق عليه الآلهة، يتبع هذا الاستنتاج أن ما هو مقدس لا يمكن أن يكون نفس ما توافق عليه الآلهة، طالما أن أحد هذين الاثنين يقرر ما تتم الموافقة عليه من جانب الآلهة بينما الآخر يتقرر بتلك الموافقة.‏‏

بعد ذلك، يقترح آيوثيفرو أن القداسة هي نوع من العدالة، خاصة ذلك النوع المتعلق برعاية الآلهة. سقراط يتساءل ماذا يعني آيوثيفرو برعاية الآلهة. الآلهة هي قوة عظيمة ليست بحاجة لنا لمساعدتها بأي طريقة.‏‏

أخيراً، يقترح آيوثيفرو أن القداسة هي نوع من التجارة مع الآلهة، نحن نعطيهم القرابين وهم يمنحوننا الدعاء. تضحياتنا لا تفيدهم بأي شيء، إنها فقط تجعلهم سعداء. لكن سقراط يشير، القول إن القداسة إسعاد الآلهة هو مشابه للقول إن القداسة هي ما توافق عليه أو ترضى به الآلهة، وهو ما يعيدنا إلى المربع الأول. بدلاً من أن يحاول آيوثيفرو إيجاد تعريف أفضل للقداسة، فهو يغادر متوتراً منزعجاً من أسئلة سقراط.‏‏

يصر سقراط أن يبدأ آيوثيفرو بتوضيح ما هو مقدس أو غير مقدس. سقراط أرغم آيوثيفرو للقبول بأنه يجب أن يكون هناك شكل أو معيار واحد بموجبه كل شيء مقدس يكون مقدساً، وكل شيء غير مقدس مقارنة بالمقدس يكون غير مقدس. أي أن كل الأفعال المقدسة يجب أن تكون مقدسة بمقتضى خاصية تشترك بها جميع الأفعال المقدسة. سقراط يسأل آيوثيفرو ما هي هذه الخاصية.‏‏

يرى آيوثيفرو أن معاقبة أولئك الذين يرتكبون اللاعدالة هي مقدسة، وعدم معاقبتهم هي غير مقدسة. يلجأ آيوثيفرو إلى الأساطير اليونانية التي فيها قام الإله زيوس بسجن أبيه. زيوس هو الأفضل والأعدل بين جميع الآلهة. سقراط يقترح الانتظار إلى وقت آخر. اهتمامه الحالي هو حول تعريف القداسة التي يرى أن آيوثيفرو لم يتعامل بها بشكل جيد. أي أن وجوب معاقبة المرء لمرتكبي أفعال اللاعدالة كعمل مقدس هو فقط مثال عن الفعل المقدس، وليس تعريفاً للقداسة ذاتها. يعترف آيوثيفرو أن هناك العديد من الأفعال المقدسة التي لا تدخل ضمن معاقبة المخطئين دينياً. سقراط يجادل آيوثيفرو أن يعطيه تعريفاً عاماً وأن يحدد معياراً بواسطته يمكن تمييز جميع الأفعال المقدسة كمقدسة.‏‏

بعد أن رفض سقراط تعريف آيوثيفرو للقداسة كمعاقبة للمخطئين دينياً، يطرح آيوثيفرو تعريفاً ثانياً: القداسة هي ما تتفق عليه الآلهة. سقراط كان مسروراً بالعمومية في هذا التعريف وهو متلهف للتحقيق فيما إذا كان دقيقاً أم لا.‏‏

هو يشير إلى أن الآلهة ذاتها تتصارع فيما بينها مثلما يعتقد بذلك آيوثيفرو. سقراط يشير أن الصراع لا يبرز على أسئلة حول الحقيقة التي يمكن الاتفاق عليها من خلال الحسابات والتحقيقات، وإنما حول الأسئلة المتعلقة بالقيمة، مثل ما هي العدالة، ما هو الخير. يشير سقراط إلى أنه إذا كانت الآلهة تتصارع حول العدالة والخير، عندئذ سوف لن يكون هناك اتفاق بينهم حول هذه الأسئلة، فهم لديهم خيارات مختلفة حول ما هو العدل وما هو الخير. يتبع هذا يجب أن تكون هناك أشياء محددة توافق عليها بعض الآلهة ولا توافق عليها آلهة أخرى. ولكن طبقاً لتعريف آيوثيفرو، ذلك يعني أن هناك أشياء هي مقدسة وغير مقدسة في أن واحد طالما وافقت عليها بعض الآلهة ورفضتها آلهة أخرى. يجيب آيوثيفرو بأن الآلهة جميعها تتفق بأن الشخص الذي قتل شخصاً آخر ظلماً يجب أن يُعاقب. سقراط يشير إلى أن الخلاف لا يبرز حول ما إذا كان يتوجب معاقبة المجرم وإنما حول ما إذا كان الفرد تصرّف حقاً بشكل غير عادل. سقراط يلح على آيوثيفرو ليثبت له أن جميع الآلهة تتفق على أن آيوثيفرو يتصرف بعدالة حين يعاقب والده. آيوثيفرو يؤكد لسقراط أنه يستطيع إقناعه وكذلك إقناع القاضي أثناء المحاكمة أن أفعاله عادلة.‏‏

الآن سقراط يغيّر اتجاه التحقيق، سائلاً آيوثيفرو توضيح ما إذا كانت الأفعال المقدسة توافق عليها الآلهة لأنها مقدسة، أم أنها مقدسة لأنها توافق عليها الآلهة. لكي يوضح موقفه، يطرح سقراط تمييزاً بين الشيء الذي تمت الموافقة عليه سلفاً من قبل الآلهة والشيء الذي تقررت الموافقة عليه. يؤكد سقراط أن الشيء مقدس لأنه تقررت الموافقة عليه وليس العكس. طبقاً لآيوثيفرو، الشيء تتقرر الموافقة عليه من جانب الآلهة لأنه مقدس وليس العكس.‏‏

يتبع من هذا الجدال أن ما هو مقدس يختلف عن الشيء الذي تقرر الآلهة الموافقة عليه. إذا كان ما توافق عليه الآلهة هو نفس المقدس، وكان المقدس تقررت الموافقة عليه لأنه مقدس، عندئذ فإن ما تقرر الآلهة الموافقة عليه سينال الموافقة، لأنه تقررّ سلفاً، بينما الصحيح هو العكس. ولتبسيط الجدال سيكون هناك ثلاثة أشياء يجري النقاش حولها:‏‏

(أ) إنها مقدسة‏‏

(ب) إنها تقررت الموافقة عليها من جانب الآلهة‏‏

(ج) إنها مجازة دينياً‏‏

الفرق بين (ب) و (ج) هو أن (ب) يتعامل مع فعل الموافقة من جانب الآلهة، أما (ج) يتعامل مع الفعل باعتباره تمت الموافقة عليه. جدال سقراط بأن الشيء أصبح مقدساً لأنه تمت الموافقة عليه وليس العكس، يعني أننا نحصل على (ج) فقط بسبب (ب) وليس العكس. أي أن الفعل كونه مرخصاً من جانب الآلهة لأن الآلهة قررت الموافقة عليه، أما عكس ذلك (الآلهة قررت الموافقة على الفعل لأنه فعل موافق عليه) لا معنى له.‏‏

يجب الإشارة إلى أنه من الممكن أن تشير (أ) و (ج) لنفس الفعل. أفلاطون يؤكد أنه ليس من الضروري أن يكون (أ) و (ج) شيئين مختلفين، فهما ليسا نفس المعنى حتى لو كانا يشيران إلى نفس الشيء.‏‏

هذا الجدال كان له تأثير كبير ضد فكرة تقرير الأخلاق بنوع من السلطة الدينية. بعد جدال أفلاطون هل أننا سنكون أمام شيئين مختلفين غير متساويين، شيء جيد وشيء توافق عليه الآلهة؟‏‏

.....‏‏

المصادر:‏‏

‏1- Euthyphro, SparkNote philosophy study guide‏‏

‏2- proving A Moral Principle, pathways school of philosophy‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية