تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حارس المطخ

ملحق ثقافي
2018/7/31
نبوغ أسعد

حين قرأت مسرحية «حارس المطخ» بدقة وتمعن، مع مراعاتي لكل تفاصيل المسرحية التي شدت انتباهي بأحداثها الحزينة والمؤلمة،

عن ذلك الشاب الذي يدعى صالح وعن طفولته البريئة والمسحوقة، التي جعلت منه إنساناً مهزوماً، لا يستطيع أن يواجه أي عائق يعترضه في حياته، لعدم توفر القوى والسند اللذان يجعلان الإنسان قوياً. ما جعل صالح يهرب من واقعه إلى الغربة، حيث المطخ الأكبر.‏‏

وبعد هجرة طويلة يعود طبيباً مشهوراً إلى تلك القرية، ليجد أن الزمان والمكان ما زالا على حالهما، وكأن شيئاً لم يتغير طوال تلك السنين، فيرى صالحاً نفسه في بوتقة الذكريات المؤلمة، حيث كان يعتقد بأنه قد نسي تفاصيلها، وبأن أهالي قريته نسوا أيضاً أبن الخادمة. فتشتعل نار الحقد والألم بداخله، على عمه وعلى كل من كان سبباً في قمعه وسحق شخصيته والظلم الذي وقع عليه من قبل أهالي القرية وحتى حبيبته التي عشقها وأحبها بجنون لم يكن يجرؤ على الاقتراب منها والاعتراف بحبه لها أمام الناس. فضعفه ولد بداخله الخوف وعدم البوح. وهذا دفعه إلى الهروب زمناً طويلاً، تحاصره الذكريات بطريقة هستيرية رغم وجود أشياء الجدة التي كانت تدعمه وتحبه وتدفع به لكي يكون شخصاً قوياً وقادراً على مواجهة مصيره المؤلم، وصورة الأم التي تتعرض للأذى من قبل السرسوقي الذي أصبح والده في ما بعد والذي كرهه قبل أن يرى وجهه.‏‏

يتابع الكاتب سرد أحداث المسرحية بشكل درامي قوي، تجري في مكان واحد، مراعياً بذلك كل مقومات النص المسرحي السردية، ودون الخلل بأي بند من بنود المسرحية: الموسيقى التصويرية والأضواء والمرايا والخشب وحتى تناغم أصوات الأجراس المعلقة برقاب الغنم مع صوت الناي. كل هذه الأشياء تظهر للمتلقي بشكل أقرب إلى الواقعية والجمالية، بوصفه للمكان المحبب رغم بساطة البيئة وضمن زمن ما وفي قرية ما. وكأن الكاتب يريد لصالح أن يعود إلى نفس الزمان والمكان لاستذكار ما جرى، ولإطلاق تلك الصرخة في وجه هؤلاء كلهم ليقول لهم: ها أنذا عدت طبيباً قويا.ً لست مبالياً لسخافاتكم وترهاتكم، ما عدت أهتم لبطش العم وقوة الآغا.‏‏

أراد الكاتب أن تكون صرخته وحديثه مع المرايا هي مع العالم برمته لإثبات وجوده وليصبح جديراً بحواء قمر القرية، التي كانت تراه كباقي أفراد الأسرة ابن الخادمة والضعيف أمام جبروت كبار القرية، لكنها أرادته رجلاً قوياً يقف بوجه الريح ويدافع عن نفسه حتى لو تعرض للأذى. هي لم تكرهه يوماً بل تكره ضعفه أمامهم. إلا أنه فات الأوان، وأصبحت قمر القرية لها حياتها ومع رجل آخر.‏‏

يلملم صالحاً ما تبقى من ذكرياته، فيأخذ طقم أسنان جدته والدمية والتي كانت تقول عنها والدته بأنها أخيه. يحمل الحقائب وينوي الرحيل. وبذلك نجد أن المسرحية هي عبارة عن حدث يميل إلى الواقعية وأحداث قد جرت على أرض الواقع في زمن ما نرى من خلالها أن الإنسان لا يستطيع أن ينسلخ عن بيئته مهما ابتعد عنها وغير من طباعه وشكله، وبأن الذكريات تفرض عليه العودة إلى بوتقة الماضي مهما كان مؤلماً وجارحاً يعود المكان ليظلم من جديد وتختفي الأضواء والمرايا ويختفي شريط الذكريات، فيجد نفسه وحيداً أمام قمر القرية وكأن الزمان قد توقف هنا.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية