تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المال خادم جيد ولكنه فاسد

ملحق ثقافي
2018/7/31
د. محمود شاهين

الأموال، النقود، المصاري، العملة، الفلوس، السيولة: عبارات مختلفة اللفظ، موحدة الدلالة، يتم تداولها مئات المرات في اليوم الواحد، لأنها موجودة في جيوب ومحافظ كل إنسان، وباتت تشكل الوسيلة الأهم للحصول على السلع والمواد والأدوات والأشياء اللازمة لممارسته لحياته اليوميّة،

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

واجتراح فعل العيش والاستمرار في الحياة. لقد باتت الأموال والنقود مختلفة الأسماء من دولة إلى أخرى، هي محور حياة الإنسان منذ اختراعها قبل الميلاد وحتى اليوم.‏‏‏

اختلفت أسماؤها، وتعددت المواد والخامات التي تُصُنع منها، لكن وظيفتها ظلت كما هي: مبادلة السلع المختلفة بها. عُرفت باسم الدينار، والدرهم، والريال، والليرة، والدولار، واليورو، والجنيه، والفرنك، والمارك، والين، والروبل...إلخ.‏‏‏

__________________________________________________‏‏‏

(النقود monnaie) هو المصطلح الأبرز المعتمد والشائع اليوم في العالم للمعادل العام للسلع، ووسيلة للتبادل، وأداة لقياس القيم، ووسيلة ادخارها، ووسيلة دفع الحسابات وتسويتها، وهي بشكل عام، بضاعة كباقي البضائع، لها قيمتها الماديّة الكامنة فيها، وقيمتها التمثيليّة والاعتباريّة.‏‏‏

نشأة النقود‏‏‏

بعد أن اجتاز الإنسان مرحلة الصيد وجمع الثمار، اعتمد على مبادلة السلع، وكما ورد في أقدم الشرائع السومريّة من 2003 إلى 2011 قبل الميلاد، كان الشعير والفضة هما السلعتان الوسيطتان لهذه التبادل، بدليل وجود أقراص من الفضة دائرية الشكل وذات أوزان ثابتة (مثقال أو نصف مثقال) في العهد الآشوري الحديث (القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد). كما وجدت نقود مسكوكة في (ليديا) بآسيا الصغرى بين عامي 670 و643 قبل الميلاد، منفذة من خلطة طبيعيّة من الذهب والفضة أطلق عليها اصطلاح (إلكتروم Electrum) وكانت هذه المسكوكات على هيئة حبة الفاصولياء الصغيرة.‏‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

ظهرت الحاجة إلى التبادل السلعي، عندما توسع الإنسان في العمل وقام بتقسيمه وزيادة إنتاجيته، حيث فاض عن حاجته، ما استدعى البحث عن وسيلة لتبادل هذه السلع مع الآخرين، فكانت المقايضة أول أشكال هذا التبادل. بمعنى مقايضة سلعة بأخرى، غير أن صعوبات جمة رافقت هذه العملية، ما دفع بالإنسان لاختراع (النقد) الذي أخذ في البداية شكلاً بدائياً اقتصر على نوع من البضاعة المطلوبة للاستهلاك بكثرة وإلحاح، حسب البيئة والمنطقة. ففي الجزيرة العربيّة على سبيل المثال، تحوّل البلح والضأن والإبل، إلى بضاعة نقديّة. أما في الهند والصين، فكان هذا النقد هو الشاي، وفي أفريقيا عاج الفيل... وهكذا. فيما بعد، ظهر المعدنان الثمينان الذهب والفضة، وبالتدريج تحولا إلى النقد المطلوب، سيما وأنهما من المعادن التي لا تصدأ أو تتآكل والقابلة للتجزئة دون أن تفقد شيئاً من قيمتها، كما أن شدة الطلب عليهما، جعلاهما يتقدمان البضائع النقديّة الأخرى، ومن ثم أصبحا الوحيدان المعتمدان في الاقتصادات التبادليّة العالميّة كافة، لكن قدرة الذهب والفضة على تأدية هذا الدور المتعاظم، تضاءلت لعدم وجود الكميات الكافية منهما لتغطية الحاجة إليهما، لا سيما بعد تطور البشريّة المتسارع، ما دفع بالإنسان للبحث عن بدائل أكثر وفرة، فظهرت النقود الخطيّة عند الرومان، وشهادات الودائع خلال القرن السابع عشر في سويسرا، التي تحولت فيما بعد إلى ما يدعى اليوم بالنقد الورقي الذي لا زال يُعمل به حتى اليوم، والنقد الورقي يمثل قيمة المعدن الثمين المودع في المصرف، وهكذا تحولت النقود الورقيّة إلى قوة شرائيّة عامة وفوريّة وقادرة على أن تؤدي وظائف النقد كافة.‏‏‏

سك النقود‏‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

قبل وصول الإنسان إلى مرحلة النقود الورقيّة السائدة الآن، اعتمد على النقود المعدنيّة من خلال صنعة عُرفت باصطلاح (سك النقود Mintage) التي بدأت مع الآشوريين، فالليديين، فاليونان والفرس، وقد كان العرب قبل الإسلام، يتعاملون بالمسكوكات اليونانيّة والرومانيّة والفارسيّة. وحتى ظهور الإسلام، لم يكن للعرب مسكوكات خاصة بهم، ما دفعهم لاستخدام الدنانير الذهبيّة والفلوس النحاسيّة البيزنطيّة، والدراهم الفضيّة الساسانيّة، أما أول ظهور للمسكوكات العربيّة الإسلاميّة، فكانت في عهد عبد الملك بن مروان، حيث تم تعريبها، فظهر الدينار الذهبي الذي كان يزن مثقالاً واحداً من الذهب. أي ما يعادل 25,4 غرام. بعدها انتشرت دور سك النقود في مختلف البلاد العربيّة والإسلاميّة، اشتهرت منها النقود الذهبيّة العثمانيّة.‏‏‏

معادن جديدة‏‏‏

يُعتبر الذهب والفضة والنحاس من المعادن الثمينة التي سُكت منها النقود ويصنع منها اليوم الميداليات والأوسمة وحمالات المفاتيح والأقلام وأشياء أخرى كثيرة، تمنح أو تُهدى، في مناسبات مختلفة: ثقافيّة وفنيّة وعلميّة ورياضيّة...إلخ.‏‏‏

ولأن بعض هذه المعادن لينة وسريعة العطب عند استعمالها بشكل يومي، كان لا بد من البحث عن معادن أخرى أكثر صلابة ومقاومة وديمومة، فكانت الخلائط المعدنيّة المشكلة من هذه المعادن ومعادن أخرى كالزنك، والنيكل، والمنغنيز، والكروم، والفولاذ، المادة الجديدة للنقود التي كان يتم سكها في القديم بطريقة صهر المعدن وسكبه في قوالب خاصة، وبالأشكال والحجوم المطلوبة التي كانت بدائيّة وغير متقنة. فقد كانت تحمل زوائد، أو تفسخات في أطراف العملة، أو غير منتظمة الدائرة، أو غير واضحة الكتابات والأرقام والأشكال التي تحملها على أحد أوجهها أو الوجهين معاً، لكن منذ القرن الثامن عشر، أصبحت عملية سك النقود تتم بوساطة مكابس تعمل بالبخار، أما اليوم فقد تحولت هذه المكابس إلى القوة الكهربائيّة‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

والهيدروليكيّة، وهذه العملية تتم على مراحل عدة، تتقدمها مرحلة صب الخلطة المعدنيّة على شكل قضبان تُسحب بعدها على شكل صفائح متجانسة السماكة والنوعيّة، تمرر على آلة تقطعها إلى أقراص السك التي يتم معالجة حوافها، والتأكد من أوزانها، وروتشتها، ثم يتم ضغطها في قوالب معدة لهذه الغاية، من مادة قوية كالفولاذ، تحمل اسم الدولة صاحبتها وقيمتها وبعض الأشكال والرموز والزخارف، وقد تطورت عملية سك النقود المعدنيّة اليوم فأصبحت تتم في مراحلها كافة، بعمليات مؤتمتة ، لكن منذ مطلع القرن السابع عشر، أخذت العملة الورقيّة بالانتشار والتداول، لتقتصر العملة المعدنيّة على الفئات الصغيرة، كالسنت، والقرش، والمليم، والفنش...إلخ.‏‏‏

أوراق بلا رصيد‏‏‏

مع زيادة حجم التبادل بين الدول، وتباعد المسافات بينها، أصبح من الصعوبة بمكان، نقل النقود المعدنيّة الثمينة من مكان إلى آخر، ما دفع بالمعنيين إلى اعتماد النقد الورقي بدلاً عنها، على أن يكون لها ما يعادلها أو يمثلها من النقود المعدنيّة في المصارف، حيث كان حاملو النقود الورقيّة يرجعون إليها لاستبدالها بالمعدنيّة الموازيّة لها، لكن مع تقدم حجم التبادل، أحجم الناس عن ممارسة عملية الاستبدال هذه، ما جعل النقود المعدنيّة تتكدس وتتزايد في الخزائن بشكل دائم، تواكبها زيادة في الإصدارات النقديّة الورقيّة التي تمثلها. ولكي تزيد المصارف والبنوك أرباحها، أخذت تُصدر نقوداً ورقيّة دون مقابل من المعادن الثمينة، الأمر الذي حوّل النقود الورقيّة إلى (نقود اعتباريّة) يتم تداولها دون أن يكون لها معادل معدني، وهذا هو الوضع القائم الآن في معظم دول العالم، إذ لم يعد للنقود الورقيّة أو الخطيّة صلة كبيرة بالذهب، بل أصبحت النقود الوطنيّة مرتبطة بالقوة الاقتصاديّة للدول المصدرة لهذه النقود، وبوضع موازينها التجاريّة وموازين المدفوعات فيها، هذا ما يفسر تقلبات صرف هذه العملات فيما بينها بعد تعويم العملة وإنهاء ربطها بالذهب والدولار، كما كان سائداً أعقاب الحرب العالميّة الثانية، وكان يرعى هذه العملية صندوق النقد الدولي.‏‏‏

مع تطور الاقتصاد، ظهرت في العالم أنظمة عديدة للنقد الورقي، منه النقد القابل للتحويل، وغير القابل للتحويل، لكن هذه الأنظمة بشكل عام، لا زالت تنص على ضرورة تحديد قيمة وحدة النقد بمكافئ من الذهب، أو العملات الأجنبيّة القابلة للتحويل.‏‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

أقوال في المال والنقود‏‏‏

نتيجة لأهمية العملة أو النقود أو الفلوس أو المال في حياة الناس، والأدوار الإيجابيّة والسلبيّة الذي يلعبه في هذه الحياة، فقد شكّل مادة لأقوال وحكم ومأثورات وقصائد عديدة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما جاء في سورة الكهف من القرآن الكريم (المال والبنون زينة الحياة الدنيا). وما قاله الإمام علي كرم الله وجهه: العلم خير من المال لأن المال يحرسه والعلم يحرسك، والمال تفنيه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، والعلم حاكم والمال محكوم عليه. مات خازنون وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، والمال مادة الشهوات.‏‏‏

وقال نابليون: (قوام الحرب ثلاثة: المال والمال والمال).‏‏‏

ومما قالوا في المال:‏‏‏

ـ المهووس بالمال لا يملك المال، وإنما هو عبد له.‏‏‏

ـ عندما يتكلم المال يصمت الصدق.‏‏‏

ـ صُنعت النقود مستديرة لكي تسير.‏‏‏

ـ لو كان المال يغني عن الرجال لما تزوجت بنات الملوك.‏‏‏

ـ المال خادم جيد، ولكنه سيد فاسد.‏‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

ـ إن رجلاً بلا مال فقير، ولكن الأفقر منه رجل ليس لديه إلا المال.‏‏‏

ـ قد يجعلك ذكاؤك ثرياً، لكن المال قد يحولك إلى أحمق.‏‏‏

ـ اجمع المال لتعيش ولا تعش لجمع المال.‏‏‏

ـ بعض الرجال يصنعون نقوداً مزيفة، وبعض النقود تصنع رجالاً مزيفين.‏‏‏

ـ عندما يتحدث المال تصمت الحقيقة.‏‏‏

ـ الفلوس تعمي النفوس.‏‏‏

وقد سألوا الكاتب البريطاني الساخر (جورج برنارد شو): لماذا تتحدث كثيراً عن الفلوس، بينما منافسك يتحدث دائماً عن الأخلاق؟ فقال: كلانا يتحدث عما ينقصه!!‏‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية