«الفـــــوضى الخـــــــلاقة» لتفتيت الـــــدول
دراسات الأثنين 23-12-2019 د. فايز عز الدين لا تزال أميركا زعيمة حلف العدوان على سورية، وعلى الدول الوطنية العربية التي لم تتراجع عن منهج المقاومة لسياسات الغرب المعادية للسيادة العربية،
وللحقوق العربية المشروعة بتقرير المصير بالإرادة الوطنية الخالصة؛ نعم لا تزال أميركا تشنُّ العدوان عبر منظومتي عمل: الأولى بالوجود المسلح على الأرض ونهب الخيرات الوطنية كما في سورية الآن وكذلك العراق. والثانية: بالضغوط الاقتصادية، والحصار الذي يستهدف إضعاف القدرة الوطنية عند هذين البلدين على مواجهة الإرهاب المدعوم من حلف العدوان الأميركي ومن أدواته الأعراب والمتأسلمين، وحين تتراجع وتائر التنمية الاقتصادية بسبب الحصار المفروض بتجاوز كافة قوانين العلاقات الدولية؛ سيدخل الاقتصاد الوطني للدول المستهدفة في حلقة العجز عن تلبية الاحتياجات المعيشيّة للشعب، وهنا تبدأ الأزمة الداخلية في كل بلد يطاله الحصار بالتفاقم من حيث وصول الاقتصاد إلى الركود، والبطالة تتعالى درجات حصولها، ويقع السكان بالضائقة المرسومة لهم حتى تسهل عملية الدفع من الخارج لخروجهم إلى الشوارع والمطالبة بالحقوق المشروعة لهم بالعمل، والدخل، والعيش الكريم، وفي هذا الحال تتقدم أميركا لتركبَ الموجةَ وتنصّب نفسها زعيمة الوقوف إلى جانب الفقراء، والمحتاجين وليتحول القاتل إلى مساند، والمجرم إلى حليف، وكأن البشر ليس لهم عقول تدرك كيف يلبس القاتل ثياب الضحية، ويختفي في جبّة المظلومين، وبناء عليه حين يتم الدفع بالشارع للتحرك تأخذ منه ذريعة مواصلة التدخل بعد أن تكون الفوضى التي خلقتها قد استفحلت، وصارت تهدد الكيان الوطني برمّته وإذْ ذاك قد ينفرط العقد الوطني والسياسي بين الناس ليدخل الجميع في حقبة صراع داخلي تختلط فيها المسائل ما بين الحرب الوطنية العادلة على الإرهاب، وداعميه وبين الحرب الإرهابية على الدولة الوطنية العربية التي صارت تشتبك مع المطالب الشعبية بخصوص رفع مستوى المعيشة، وتحسين شروط الحياة الإنسانية للمجتمع عموماً، وفي هذا المسعى تكون أميركا وحلفاؤها قد حققوا مخططاتهم العدوانية الخارجية حين تدبّ الفوضى التي يسمّونها هم: الخلّاقة ويقصدون التي تخلق الشروط الجديدة لإعادة بناء الدولة المستهدفة لكن هذه المرة بالترتيب الأميركي لها، والتركيب الأميركي، والتركيب كذلك رأينا أنموذجه في العراق بعد الحرب على الدولة العراقية وتفكيكها حيث بُني دستورها على مبدأ الاتحاد الفيدرالي حتى يعاد تشكيل العراق على أساس أنه دول ثلاث تعاقدت في كيانية واحدة، لكن إذا أراد طرف أن يخرج من هذا التعاقد فدولته جاهزة ومحضّرٌ لها صهيونياً. إذاً؛ الفوضى الخلّاقة سياسة لتفتيت الدول وإعادة تشكيلها بالقرار الأميركي الذي لا يمكن أن يتوافق مع مصالح شعبها لكونه يمثل المصالح الأمروصهيونية وحسب، وعليه فالشعب في الدولة المستهدفة يفقد وحدة التراب الوطني، كما يفقد الوحدة الاجتماعية الديمغرافية، ويفقد العقد التاريخي له الذي تجانس فيه عبر مئات السنين، وفي الوقت الذي يصل فيه كل شعب إلى فقدان وحداته الثلاث لا بد أن يصبح تحت السيطرة في الحاضر كما في المستقبل، فأين مصلحة الشعوب في مثل هكذا سياسة وهكذا استراتيجية لأميركا وأدواتها؟ ووفقاً لمقتضاه نقرأ الاحتلال الأميركي لأرضٍ في العراق وسورية ودخول القوات الأميركية لهذين البلدين من دون التنسيق مع الدولتين الشرعيتين العضوين في الأمم المتحدة، ومن خارج قرارات مجلس الأمن بأنه غطرسة القوة الغاشمة التي لا تحترم فيها أميركا أي شرعة دولية للعلاقات بين الأمم المختلفة، ولا تعترف بالسيادة الوطنية لها على أرضها وشعبها، وربما تكون هذه القضية من أعقد القضايا الدولية، وأخطرها على الإطلاق، حيث تبدأ أميركا من فوضى النظام الدولي وعدم الاعتراف بالقوى الموازية لها، وعدم احترام الأمن والسلم الدوليين، وعدم القبول بتوازن القرار الدولي العادل ولو أدى ذلك خلق حقبة صراع عالمي يتم فيها توتير العلاقات الدولية، وإدخال البشرية حافة الهاوية لكون سياسة شفير الهاوية قد مارستها أميركا منذ عصر الحرب الباردة التي كانت بين القطبين: الرأسمالي العالمي، والشيوعي وما زالت لم تتخلّ عنها رغم زعمها بالتخلّي، ومن فوضى النظام الدولي إلى فوضى نظم الأمم المختلفة تكون السياسة الأمروصهيونية قد أدخلت شعوب الأرض في فوضى النظامين: الدولي، والداخلي وبات الكونترول الأمروصهيوني يدير الحياة العالمية بما يتوافق مع خارطته الجيواستراتيجية ذات السمة العدوانية وحسب، وهذا ما نراه على أرضنا السورية حين تعيد أميركا انتشار قواتها المحتلة لتساعد /قسد/ على مواصلة احتلال آبار البترول من الرقة إلى دير الزور، وتستدعي خبراء من مصر، ومملكة الرمال السعودية لكي تدير بهم حقول النفط وخاصة حقل العُمر غزير الإنتاج، نعم هذا الذي تفعله أميركا ما علاقته بمحاربة الإرهاب الذي تأخذ منه ذريعة في احتلالها لأرض من سورية في منطقة الجزيرة ثم ما علاقة احتلالها بمساعدة المهجّرين السوريين في العودة الآمنة إلى أرضهم حين تتآمر مع أردوغان على أن يتم هذا التهجير إلى الشريط الحدودي بين سورية، وتركيا تحقق فيه التطهير العرقي، والتبديل الديمغرافي بما لا تستجيب له إرادة أصحاب الأرض الأصلاء على الشريط المذكور، وبهذا تتفاقم المسألة وتنشأ من خلالها حقبة صراع داخلي تتحول إلى حرب أهلية تُفكّك المجتمع وتنسف الدولة، وعلى ما سبق نبني قواعد عملنا الوطنية التي تدرك جيداً أحابيل السياسات الأمروصهيونية على أرض بلادنا، فأميركا التي تحاصر الدول الوطنية العربية هي المسؤولة عن تراجع قدرة الاقتصاد الوطني فيها عن سدّ الحاجات الأساسية للشعب، وأميركا التي تضلّل الذين يخرجون إلى الشوارع لا تريد لهم دولة وطنية ذات سيادة بل تريد لهم أن يساهموا في هدم دولتهم الوطنية ليصبحوا تحت السيطرة الأمروصهيونية ويزداد فقرهم، وتسوء حالتهم أكثر فأكثر لكون أميركا العدوّة من المستحيل أن تسمح بتقدم الشعب ولا برفاهه ولا بامتلاك أي نوع من القوة، والأمثلة الحاصلة الآن من العراق، وسورية، ولبنان تشير إلى المخطط الأميركي لخلق حقبة صراع داخلي في هذه البلدان يتكفّل فيها شعبها بتحقيق أهداف العدوان الأميركي عليه بآليات حراكه الداخلي، وهي تعرف جيداً إن لم ترفع الحصار الاقتصادي عن دولته فمن أين للدولة أن تحقق تنمية تحسّن فيها من الحياة المعيشية للناس؟ إن العدوان الأمروصهيوني علينا متواصل عبر هكذا استراتيجية، ومطلوب من شعبنا أن يفرّق بين التحايل الأمروصهيوني بالادّعاء أن أميركا مع حراك الشعب، وبين الوجه الحاقد الأميركي على شعبنا حتى لا تتحقق له انتصارات على الإرهاب، ولا يستطيع أن يحقق لنفسه سيادة أو استقلال، ويبقى تحت وطأة التدخل الأميركي وسياسات القوة الغاشمة.
|