تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الكتابة النساء أو النساء الكتابة..السقوط في وحل الاحتشام المخدوع..

ثقافة
الأربعاء 3-2-2010م
حسين عبد الكريم

اختلاط شاق تسقط فيه تجارب الكتابة ومسمياتها:

كتابة نسوية وكتابة ذكورية.. وكتابة النساء أو نساء الكتابة.. والاختلاط الشاق الآخر هو في قبول المرأة المشابهة مع نزعتها غير الأنثوية، أو الأنثوية المعذبة والملومة والمنقوصة والمتملكة والمتسلطة.. المرأة الكتابة أكبر شأناً من هذه الاختلاطات المرضية، التي تصيب تجارب العديدات من الكاتبات.. ولا يعلي من قدر أي كاتبة أن تتسلط على رؤى الحبر ورؤاها، وأن تقسر تأملاتها وتجبرها على السير رغماً باتجاه اعتبارات غير إبداعية..‏

وجانب من الاختلاطات تعانيه المرأة الكاتبة هو أنها تُقبل على الكتابة وفي ذهنها جملة كبيرة من القيود والمخاوف والاشتراطات الاجتماعية والنفسية والعائلية.. تحمل كل ما لديها من احتشام ومجاملات ولياقات مع وقف التنفيذ وتبدأ الكتابة والإبحار في خضم أس روحها.. تحاول الكتابة فتنسى حريتها ورغبتها بالتجديد وفي أحيان أخرى وأخرى تلوذ بحائط الحبر لتعوض عن الأمومة التي لم توفق إلى القبض عليها ونشر أشرعتها والتمتع بمتاعبها..‏

المرأة مبدعة نادرة في قبول أعباء الأمومة ومساعيها الحميدة والشاقة ومبدعة بنفس السوية في صياغة العائلة وحمايتها من التلف والهلاك وغوائل الأيام.‏

مثلاً أحلام مستغانمي في رواياتها الثلاث تخالطت كثيراً مع شعرية روحها والمكان والزمان واهتدت بعد ذلك إلى لغة مشاغبة ونشيطة مثل موجة عشق أولى في بحر غرام ومغرمين وبعد الروايات سقطت في بحيرة الغرور اللغوي وألزمت نفسها بحواريات عدائية مع الرجال فأصدرت كتاب مقالات (نسيان) نشرت بعضها أو الكثير مثلها ومنها في مجلة زهرة الخليج.‏

وكتابات بعدها وقبلها وكاتبات أخريات من أجيال عديدة قديمة وجديدة ضيعن ميراثهن من الرقة والألفة لصالح خشونة الملكيات والتسيد المخدوع، ولا أود التوقف عندهن الآن لأن هذا مجاله كتاب نقدي..‏

وكتابات أخرى تنوء بأعباء الاحتشام وحسّ الحذر والمخاوف الاجتماعية ومشتقاتها..‏

(ربا منصور) واحدة من مجموعة الكاتبات الداخلات بحذر إلى عالم الحبر، ولعل لديها الحذر ذاته في الحب وفي العلاقات العائلية وغيرها من العلاقات.. في روايتها الصادرة حديثاً في اللاذقية عن دار الحوار /معبر المشاعر/ تُسوّق للحشمة الاجتماعية والحذر والمخاوف، وتلتزم لغة قائمة وغائمة خارج خط بروق الشعرية المتحفزة والتعبيرات الحبية أو الأنثوية المتمردة والمجتهدة في ابتكار الخيالات والصور، ونسج ديباجة مؤنسنة ومؤنسة ومؤنثة أيضاً.‏

تخاف (ربا منصور) أن تقول على لسان الشخصيات ما يشير إلى الحب الإنساني الشجاع والنبيل... تعتقد أن عيون الكلمات ستفشي أسرار توقها، إن هي تاقت، وأن همزات وصل الحروف ستخبر عن همسها وإحساسها... التحكم بـ(كونترول) اللغة والهواجس إلى هذا الحد أساء إلى طلاقة المفردات وشبابيك التعبيرات للكلام المكتوب نوافد وإطلالات عالية وآفاق وجهات وأمطار ومواسم.. ومن غيرها يتعب ويتعس الحبر والحب والحنين...‏

كأنها، منذ السطر الأول، حملت فائضاً من الحذر والاحتشام والالتزامات اللغوية ودخلت إلى حرم الكلمات.. وهل الكتابة عشاء عائلي مشترك؟ أو نقول: الكتابة النسائية، يجب أن تكون مثل ربات البيوت مهذبة وملتزمة بالحشمة والأخلاق العائلية.‏

الكتابة لا تطالب بتخريب دورة القيم والعلاقات العائلية أو غيرها بقدر ما تجدد في سياق القيم ونسيجها..‏

وبقدر ما تنسج لوحة إنسانية بارعة ومبدعة، بقدر ما تخدم القيم وتؤتي الأخلاق ثمارها اليافعة والعتية على التدهور والفلتان الغرامي أو الإنسي أو الجني..‏

ظلمت (ربا منصور) لغتها الإبداعية بلغة التزاماتها العائلية.. وأنا - رغم أنني - لا أعرفها وجهاً لوجه، أظنها سيدة ملتزمة اجتماعياً ورصينة عائلياً ومربية حسنة الخلق والخلق..أصدرت قبل معبر المشاعر رواية أولى حبة ماس وأصدرت قصصاً ولا أعرف إن هي أصدرت عائلة بطبعات عديدة أو بطبعة واحدة..‏

هي في سعيها وراء قناعاتها المتوازنة زيادة عن حاجة لغة الكتابة تنبري للدفاع عن الالتزام الذي هو غير كتابي وغير تجديدي..‏

حاولت تخطي القيود لكنها ظلت محتمية بحكمة المخاوف الاجتماعية التي نقلتها إلى اللغة، فصارت مخاوف لغوية.‏

وحين تنجو روحها من المخاوف والحسابات والاشتراطات تقدم لوحات فيها ما فيها من نداوة التعبيرات المبهجة وطراوة ملمس الحب الذي ينام ويصحو بين حواريات الشخصيات وسلوكاتها..‏

وكتبت ربا منصور القصة التي حاولت شحذ سيف دهشتها بالتعبيرات الروحية واستفادت من تحفيزات المخيلة وصياغاتها في إغناء المشهد القصصي وفيما بعد المشهد الروائي.. قداسة الحبر تنبع من التجديد وحرية التعبير..‏

الكتابة الجميلة مربية حواس وقناعات جميلة الكتابة مثل الأم لتربي الحب والألفة وتنمو مع نمو أغصان العلاقات الجمالية والحشمة والاشتراطات المتزمتة ليست أمومية وليست كتابية بل هي ترسبات خوف وأعباء خشية وواقع مثقل بالبؤس وعلى الكتابة أن تتجرأ وتتمرد على بؤس لصالح غناه وتجديد علاقات الحياة والاجتهاد في نسج وشاح تعبيرات حرة وصافية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية