فاللوحة الفلسطينية تبدو الأكثر تعبيراً عن معاناة التهجير والاقتلاع والأكثر التصاقاً بوهج الشمس والأمل والمستقبل والتراث الفولكلوري في زخارفها وأجوائها الشعبية، ومع ذلك قد تحمل الكثير من تطلعات الحداثة والتجديد على الصعيدين التكويني والتلويني.
سليمان منصور
ففي هذا المعرض نسترجع بعض أجواء محطات فن سليمان منصور الذي يعتبر واحداً من الفنانين البارزين في التشكيل الفلسطيني المعاصر، وأحد المتفاعلين منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي مع أحاسيس القلق والمعاناة في المدن المحاصرة، دون فقدان الأمل المقروء في الرموز التعبيرية المباشرة والتي كانت تحفل بها ملصقاته السياسية التي كانت تهرّب وتنشر في المجلات العربية وتقوده في أحيان كثيرة إلى السجن.
وما يقدمه في هذا المعرض يكمل اتجاهات أعماله السابقة، ولاسيما أنه يقدم لوحة واقعية مشحونة بالرموز والتي تظهر كبيان توضيحي لمواقفه وتبرز موهبته وقدرته العالية في الرسم الذي يجسد التفاصيل ويخرج اللوحة من النمطية التسجيلية وذلك من خلال القطع الهندسي المقروء في مجمل لوحاته المعروضة باستثناء لوحة يستخدم فيها رموز الأبجدية المباشرة حين يجسد بالأسلاك الشائكة صورة الفلسطيني الحامل بندقية وبطريقة بعيدة عن المألوف والواقع.
فهو في الغالب يركز لاظهار مقدرته اللافتة في تجسيد العناصر الانسانية (الرجل والمرأة والطفل) والرموز المختلفة كأشجار الزيتون وعناصر العمارة القديمة بأقواسها وقبابها والكتابات والزخارف العربية على ألواح اسمنتية منتصبة ومقتطعة من الجدار العازل وتبدو مقاطعه الواقعية في اتجاهها السوريالي بمثابة نسيج متكامل يحقق الناحية الاسلوبية في الأجواء اللونية الهادئة والمتقاربة رغم بروز التضاد اللوني الذي يؤديه حضور المساحات الساطعة على أرضية خافتة ومعتمة أحياناً.
ويمكن القول إن سليمان منصور ساهم ومنذ أكثر من ثلاثة عقود في تحويل المأساة الفلسطينية إلى قضية عالمية من خلال مشاركاته المتواصلة في المهرجانات والمعارض الدولية، وكانت لوحاته ولاتزال مرتبطة بأجواء القلق والتوتر والمعاناة وهي تؤكد هاجسه الفني في الوصول إلى لوحة تشكيلية خاصة تبرز عنصر المهارة والبراعة والحيوية في الرسم والتلوين معاً.
تيسير بركات
يثير الفنان تيسير بركات في أعماله المعروضة تساؤلات عديدة فهو يجسد بتقنية الألوان المختلطة (ميكست ميديا) تعابير الانسان القلق والضائع بمزيد من العفوية والبدائية أحياناً، حتى إنه يستخدم القطع الخشبية الخام ونتفها المكسرة بعصبية لينقل هذا التلاقي التام بين عناصر التخريب الدادائي ويوميات الحياة ومعاناتها وجحيمها في محاولة للاحاطة بالموقف الانساني الشمولي، كما يسعى في أعماله المجسدة على قطع خشبية شطرنجية جدارية وفراغية للوصول بالشكل الانساني إلى ذروة الاحساس بالعبث والعذاب والحزن ولاسيما حين يوزع أوراقه ورسائله التي تبدو بمثابة وثائق ومناشير تكثف من عناصر الصدمة وتفضح الزيف وحدة التناقضات.