تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تلك المنطقة المحرمة

ملحق ثقافي
20/ 3 / 2012م
نجود جمعة:حاولت جاهدة أن أبتعد عن الطريقة الأنثوية التي أعتمدها في كتاباتي، أحاول الكتابة عن الأزمات التي تعصف ببلدي الذي أحبه حد العبادة. ولكني وفي هذا الوقت بالذات وعلى الرغم من جرحي النازف تجاه ما يدمي سوريا الحبيبة، لا يسعني إلا أن أكتب عنه.

في كثير من السنوات الماضية انتابتني ساعات مما أشعر به الآن، لحظات من الحنين المفاجئ.‏

أحببت قبله كثيرين وشعرت نحوهم ببعض ما أشعر به الآن، هذا الشعور الذي لا أدري هل أنفرد به دون سواي من البشر، أم أن أناساً آخرين أيضاً تنتابهم هذه الحالة الغريبة من الحنين المفاجئ، ولكني وفي هذه المرة أحس لهذا الحنين طعما آخر، غير ذاك الذي اعتدته، كان فيما مضى يعصف بي لحظات ويرحل، فما باله هذه المرة لا يفارقني لحظة واحدة منذ أيام.‏

منذ أيام وأنا أشعر به يسري في كل ناحية بين روحي وجسدي. حنين يشبه حنين ذلك المنفي لعبق دمشق.‏

البارحة قرأت دراسة علمية تقول بأن الحب لا يستطيع أن يعيش أكثر من ثلاث سنوات.‏

فما بالي إذاً وبعد خمس سنوات أحس بحنين يحرق كل ما بي ويحوله إلى رماد، ألأنني في هذه المرة لم أحب فرداً ذكراً، أحببت رجلاً يشبه الوطن، فهل يستطيع المرء أن يكف عن حب الوطن بعد ثلاث سنوات؟‏

مرت سنوات لم يكن لي فيها وطن خارج حدود جسده.‏

فقد استطاع الوصول إلى تلك المنطقة المحرمة من قلبي، والتي لم يستطع الوصول إليها سوى ذلك الوطن، والتي لعدة أجيال منذ بعثي الأول، لم يطأها بشر غيره. وعبثاً أحاول إخراجه من هذه المنطقة المحظورة من قلبي، وأنا أحاول إقناع نفسي بأنني بعشقي له أخون معشوقي الأبدي.‏

لا أدري كيف ومتى تسلل هذا الرجل إلى أعماقي السرية، والتي حاولت جاهدة إقصاء كل من أحببتهم عنها.‏

في غفلة مني وبينما كنت مأخوذة بشخصية هذا الرجل الذي أذهلني بتصرفاته الرجولية، ووطنيته الفائضة، سلب مني أكثر ما كنت حريصة على إبقائه لمعشوق واحد، ولكن ومنذ أن أودعته ذلك المكان المحظور من قلبي لم أعد أستطيع التعايش مع عشق واحد، أدمنت العشق لاثنين أحدهما وطني، والآخر رجل يأخذ كل ملامح وطني.‏

فقد كان لعينيه لون شجر بلادي، لبشرته لون رمال شواطئها، لطبيعته صلابة أرضها، لصدره رحابتها ولرائحته عبق ياسمينها.‏

وفي نهاية الصراع قررت الاستسلام له ومنحته كل ما كان مباحاً فقط لوطني ومحرماً على كل الذكور، وأنا أسأل نفسي هل يستطيع المرء أن يعشق الوطن بحيادية، دون أن يكون معنياً حقاً بعشق من يمدون شرايينه بالحياة؟‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية