وقدرته على فهم مضمون النص ومقولاته، ومنحه الشكل الفني المناسب، بينما يكتب السيناريست السينمائي وصفاً دقيقاً لكل لقطة بما فيه حجمها ونوعها وزاوية العدسة التي ستلتقطها والإضاءة المسلطة عليها والشخوص الذين سيظهرون فيها والأشياء والأجواء المحيطة بهم والحوار الذي ينطقون به وطريقة أدائهم ولهجتهم وإحساسهم والحالة التي يعبرون عنها، إضافة إلى المؤثرات الصوتية والضوئية، ويقولون إن سيناريو فيلم أضواء المسرح لشارلي شابلن عام 1952 قد ضم 750 صفحة، أما سيناريو الفيلم السينمائي المعاصر لمدة ساعة ونصف الساعة فلا يتجاوز- اليوم غالباً- مئة وخمسين صفحة، وللحلقة التلفزيونية تكفي ستون صفحة وربما أقل. والسبب هو كما قلنا الاختصار الشديد في وصف الصورة وتفاصيلها وترك ذلك للمخرج.
وهنا تبرز أهمية التعاون الوثيق بين الكاتب والمخرج منذ البداية وعلى الورق، فإذا أراد الكاتب سواء كان قاصاً أو روائياً التصدي للكتابة التلفزيونية «وقد أصبحت اليوم أكثر سهولة من الكتابة للسينما من الناحية التقنية» فعليه قراءة عدد كبير من السيناريوهات التلفزيونية ولا بأس بحضوره ضيفاً صامتاً عمليات تصوير فيلم تلفزيوني أو مسلسل أو أكثر، وطرح بعض الأسئلة على المخرج أو الكاتب أو المصورين حول تركيب وماهية الصورة التلفزيونية وحركة الكاميرا وغير ذلك.
وقد اعتاد كتاب التلفزيون العرب تقسيم الصفحة الواحدة إلى شطرين متساويين من الأعلى إلى الأسفل وكتابة وصف الصورة على الشطر الأيمن والحوار على الشطر الأيسر بينما مازالت كتابة السيناريو التلفزيوني في البلدان المتقدمة تتم على الطريقة السينمائية القديمة نفسها ومثلاً كما يلي:
اللقطة 207- نهارية- داخلية – متوسطة – سامي يفتح باب مكتبه ويدخل مسرعاً.
يقعد وراء طاولته يرفع سماعة الهاتف يختار رقماً ما بلهفة.
2-اللقطة 208- نهارية – داخلية قريبة «كلوز» سامي يتحدث على الهاتف...
يقول: «هنا سامي صباح الخير يا حبيبتي.»
3-اللقطة 209- نهارية- داخلية - غرفة في الفندق- قريبة «كلوز» ناديا في سريرها تتحدث على الهاتف وهي تتثاءب. تقول: «أوه.. هذا أنت؟ أما زلت حياً؟».
وهكذا لقطة تلو لقطة... وليس مشهداً تلو مشهد. وعلى كل حال يستطيع المخرج الجيد تلافي أي ثغرات في السيناريو المكتوب بطريقة المشاهد الكاملة ويضطر أحياناً إلى التغيير في الحواريات ولاسيما إذا وجد بعض الجمل أو الكلمات عديمة الفائدة في الصورة أو ربما مسيئة إليها، فإذا سأل شخص من شخوص العمل شخصاً آخر وهو ينظر إليه مثلاً. – الشخص: «لماذا ترتدي معطفاً؟ هل أنت مريض؟» شطب المخرج الجيد الجزء الأول من الجملة «لماذا ترتدي معطفاً» لأن الصورة تعبير عن هذا الكلام والمشاهد يرى الممثل مرتدياً المعطف، وربما شطب الجزء الثاني أيضاً واكتفى بأن يعطي الممثل انطباعاً بأنه مريض، وهنا يسأله الشخص الأول فقط:
- «ما بك؟ « ويستمر الحوار بما أمكن من تكثيف.
إن المثل القائل: خير الكلام ما قلّ ودل ينطبق غالباً على النص التلفزيوني بل يعتبر قاعدة ذهبية يجب معها احترام الصورة وعدم تكرار ما تدل عليه بوضوح واختصار أي جمل يقولها الممثلون دون فائدة.
إن على الحوار أن يركز على مجريات الأحداث وردود الأفعال وإبداء الآراء أو التعبير عن الأحاسيس بعيداً عن الوصف والإسهاب الروائي المكتوب للقراءة.
على الكاتب للتلفزيون أيضاً ألا يكتب حواراً أدبياً أو فلسفياً عميقاً ذا عدة تفاسير وأن يتوخى البساطة والسهولة دون أن ينحدر إلى السذاجة والسطحية والثرثرة، فالقارئ يفكر ويفسر بينما المشاهد يرى ويسمع.
ولقد قرأنا نصوصاً تلفزيونية لكتّاب قصة ورواية معروفين واستمتعنا بوصف الصورة الأدبي وكذلك بالحوار الميال نحو الرمزية وازدواجية المعنى أو الإبهام في بعض الأحيان، لكن المخرجين وكذلك الممثلون اعترضوا على نص كهذا فلا المخرج استطاع تحويل وصف الكاتب للصورة إلى صورة حقيقية يمكن ظهورها على الشاشة، ولا الممثلون استطاعوا حفظ الحوار الرمزي المنمق والمعقد وبالتالي فهمه وأداؤه بالعفوية المطلوبة. كما أن القاص أو الروائي يتمسك غالباً بكل كلمة يكتبها ولا يوافق على حذف جملة أو إضافة كلمة يكتبها.
ومن هنا نشأت خلافات بين الكاتب والمخرج، ومن هنا ظهرت ضرورة تدخل طرف ثالث هو المراقب الدرامي أو الدراماتورغ الذي يساعدهما غالباً على التفاهم والتوصل إلى الحلول المطلوبة. والنقاش بين الثلاثة مفيد جداً قبل إعداد الصيغة النهائية للسيناريو. ولعل أفضل الأعمال التلفزيونية هي التي اعتمدت روايات مكتوبة للقراءة، وجاء سيناريست مختص فكتبها للتلفزيون متعاوناً مع المخرج. كما أن قيام المخرج وحده بإعداد النصوص الروائية وممارسة الديكتاتورية الفنية على النص قد أساء عملياً وغالباً إلى مقولات القصة أو الرواية التي يجري إعدادها كسيناريو أو أضعف مضمونها الفكري والأمثلة على ذلك كثيرة.
وعلى كل حال فإن تحويل النص الروائي إلى سيناريو تلفزيوني يتطلب حرفية وفهماً وخبرة في دراما الصورة والحوار والتخلي عن إبراز العضلات الروائية اللغوية سواء في وصف الصورة «اللقطة أو المشهد» أو في صياغة الحوار. والواقع أن كتابة الحوار باللغة المحكية الدارجة أشد صعوبة بكثير من كتابته بالفصحى ذلك لأن اللغة الفصحى لغة غنية وجاهزة في ذاكرة الكاتب المثقف أما العامية فتتطلب بحثاً وجهداً كبيرين من أجل التوصل إلى الكلمات والجمل وصياغتها للتعبير عن المعنى المطلوب دون الوقوع في الابتذال أو الثرثرة والتكرار ودون أن يضطر المراقب الدرامي أو المخرج إلى شطبها قبل أن يشتكي منها الممثلون الجيدون ويحاولوا تعديلها أو أن يؤديها الممثلون العاديون دون فهم وإحساس بل برتابة و»تمشاية الحال» أداءً يسيء إلى النص كثيراً ويعرقل وصول مضامينه إلى المتفرج أو ربما يعكسها.
ومن المحظورات:
1- عدم العودة بالذاكرة إلى فترات زمنية قديمة جداً «أكثر من عشر سنوات».
عدم تحويل الأفكار الخيالية أو التصورات إلى مشاهد مصورة أو سرديات فردية «منولوجات» طويلة بل إلى حواريات واقعية قدر الإمكان.
3- عدم العودة بالذاكرة إلى مشهد لا يكون العائد بذاكرته موجوداً فيه. والابتعاد ما أمكن عن الأحلام المثيرة.
4-عدم انقلاب مواقف الشخوص وتصرفاتها دون سبب مقنع ودون تمهيد كاف في مشاهد سابقة.
5-عدم استخدام الشتائم والألفاظ النابية والعنف بلا سبب واضح. وعدم المبالغة في الضحك أو البكاء والصراخ.
6-عدم الإسراف في مشاهد الأفراح والأتراح والاحتفال لأنها تسبب الملل والانصراف عن متابعة
الأحداث المهمة.
7-عدم الإساءة إلى المبادئ والآراء التي أرادها الكاتب مثل حقوق الإنسان والحرية والتعاون بين المواطنين العاديين.
8-عدم اللجوء إلى الجمل الإنشائية والوعظية المباشرة.
9-عدم تكرار الأفكار نفسها على ألسنة عدد من الشخوص.
10-عدم استخدام السردية الزائدة عن الحاجة حول أحداث مضت أو ستأتي.
11-عدم جمود الشخوص في الصورة أو داخل المشهد وتجنب إطالة المشاهد وبطء إيقاعها.
12-عدم استخدام عدسة الزووم إلا في حالات الضرورة القصوى.
13-عدم القطع من لقطة عامة إلى قريبة جداً دون المرور بالمتوسطة ثم القريبة، ومراعاة العادات البصرية في الرؤية لدى المتفرجين.
14-عدم الاكتفاء بالمعلومات التاريخية والاجتماعية العلمية المتوفرة لدى الكاتب واستشارة متخصصين بها.