تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


خيارات إدارة أوباما عام 2010

شؤون سياسية
الخميس 28-1-2010م
غالب محمد

انقضى عام 2009 دون أن يتمكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما من تحقيق الإنجازات الدولية التي كان العالم بأسره ينتظرها منه وفي طليعتها السلام في الشرق الأوسط وذلك على رغم اعتماده وإعلانه عن نظرة وأسلوب مختلفين عن نظرة وأسلوب سلفه بوش الابن الذي أجمع العالم على استنكارهما.

لقد حقق اختراقات ملموسة في أكثر من ميدان وبعث الثقة بالولايات المتحدة في نفوس الحكومات والشعوب ولكن نياته الحسنة وخطواته الإيجابية وخطابه السلمي الإنساني لم تكن كافية لحل أو حلحلة المشكلات العالمية والدولية الراهنة ابتداءً بالشرق الأوسط وانتهاءً بالتلوث الحراري، مروراً بأفغانستان وإيران والعراق وفلسطين.‏

ويبدو أوباما في هذه الأيام كتمثال تتساقط أجزاؤه قطعة قطعة.‏

التساقط الأول كان مع تهاوي مبادرته الكبيرة حول فلسطين والعالم الإسلامي لدى أول مجابهة بينه وبين اللوبي اليهودي و«الإسرائيلي» وهذا ما أذهل الكثيرين، فالرئيس أوباما أمضى عامه الأول وهو يعطي الأولوية لإصلاح ذات البين بين أمريكيا وبين خمس البشرية «العالم الإسلامي» فإذا به «يستسلم» سريعاً أمام ضغط اللوبي الصهيوني والكيان الإسرائيلي، والآن لا تجد وزيرة خارجيته بديلاً سوى دعم المستوطنات والاحتلال اليهودي للضفة الغربية والقدس.‏

بيد أن هذه السقطة في الشرق العربي على كبر حجمها تهون أمام شقيقتها في الشرق الإسلامي أفغانستان إذ هناك عاد الرئيس أوباما عن وعوده، الرئيس أوباما بفعلته هذه نسف كل خطبه الرنانة عن الحق والعدالة وحقوق الإنسان والديمقراطية الحقة وعاد إلى المنطق الأمريكي القديم القائم على الحروب في العالم الثالث لخدمة المصالح الأمريكية.‏

إنها حقاً بدايات غير موفقة لرئيس بنى عليه الكثيرون داخل أمريكا وخارجها كبير الآمال لتغيير صورة الولايات المتحدة في العالم فإذا به يعيد إنتاج صورة العالم القديمة عن أمريكا وحتى بشكل أسوأ.‏

هناك ثلاثة تفسيرات للفشل والعجز والتعثر التي رافقت أوباما في عامه الأول داخل البيت الأبيض.‏

الأول: هو أن هناك مصالح استراتيجية للولايات المتحدة لا يستطع أي رئيس أمريكي تجاهلها أو اسقاطها من حساباته وهذه المصالح تلزمه بالاستمرار في تنفيذ السياسة التي تخدمها كما التزم سلفه بها.‏

والثاني هو: أن نجاح الرئيس الأمريكي في حل المشكلات الدولية يستدعي من الآخرين مساعدته على حلها ولم تتوفر هذه المساعدة له بشكل جدي وحاسم حتى الآن لا من قبل الدول الكبرى الأخرى ولا من قبل الدول الغارقة في الأزمات.‏

أما التفسير الثالث فهو أن هناك داخل الإدارة الأمريكية قوى ضاغطة تقيد يديه وربما كانت هذه الأسباب الثلاثة مجتمعة هي ما أعاق مساعيه وعطل نجاحاتها.‏

وغداً حين يبدأ المؤرخون بكتابة تاريخ عهد أوباما سيقولون على الأرجح إنه أكثر الرؤساء الذين بنى عليهم الناس توقعات كبيرة، فإذا بهم يصابون بخيبات أمل.‏

إننا لا نغالي إذا ما قلنا إن خطاب السيد أوباما يحمل نكهة إنسانية وبعداً دولياً جديدين، والسلام في العالم يحتاج إلى مثل هذا الخطاب.‏

إن الشرق الأوسط بل العالمين العربي والإسلامي يشكلان العقدة الكبرى لا في السياسة الأمريكية فحسب بل في السياسة الدولية عامة.‏

ففيه النفط الذي يعتبر مصلحة استراتيجية أمريكية وعالمية حيوية بانتظار اكتشاف مصادر جديدة للطاقة.‏

وهناك الإرهاب الإسلامي الدولي الذي ترى الدول الغربية-روسيا والصين والهند والأنظمة الحاكمة في الدول الإسلامية والعربية- فيه خطراً مباشراً عليها ولا يمكنها إلا مقاومته، مع العلم أن محاربة الإرهاب تستدعي خطوات وتدابير من شأنها زيادة نقمة الشعوب العربية والإسلامية على واشنطن إذ تربط بينها وبين الدعم اللامحدود لإسرائيل.‏

ففي أفغانستان مثلاً لم يكن بامكان الرئيس أوباما رفض مطلب القادة العسكريين بزيادة عديد القوات الأمريكية على رغم إدراكه -كما في العراق- أن الحل الحقيقي هو بيد الشعبين الأفغاني والعراقي وأن مساعدة واشنطن لهما هي تقديم المساعدات المالية والإنسانية والفنية بغية مساعدة الحكومات على فرض الأمن في تلك البلدان.‏

إن الذين لا يريدون السلام في الشرق الأوسط أو بالأحرى الذين يعتبرون السلام خطراً على أنظمة حكمهم يراهنون على فشل الرئيس أوباما خلال السنوات اللاحقة من ولايته ويعملون لذلك وليس سراً أن «إسرائيل» في طليعة هؤلاء وهي ليست الوحيدة في المنطقة كما أن محاربة الإرهاب في باكستان وأفغانستان ووجود القوات الأمريكية في المنطقة مرهونان من جهة أخرى بمشكلة السلام بين العرب و «إسرائيل» والآن من الواضح أن الولايات المتحدة ليست اللاعبة الكبرى الوحيدة في المنطقة وعلى المسرح الدولي بل هناك روسيا والصين وأوروبا فكل هذه الدول لها مصالح في الشرق الأوسط ولن تقدمها هدية للإدارة الأمريكية.‏

لقد أثبت أوباما أنه صاحب مشروع تغييري دولي يخفف من التوترات والنزاعات ويحاول أن يعيد ثقة الشعوب بالولايات المتحدة الأمريكية مستبدلاً الهيمنة والتفرد بالقرار بالحوار ولقد بات يعرف أين تكمن الصعوبات والعراقيل فهل يستطيع التغلب عليها أو تجاوزها أو الاستسلام لها؟‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية