هؤلاء القادة هم رئىس الولايات المتحدة ورؤساء وزراء بريطانياوإيطاليا وهولندا وانضم إليهم المستشار الألماني المنتخب حديثاً.
كان المكان في واشنطن والزمان عام 1999 وموضوع النقاش حول الحكومة التقدمية. بدا القرن الواحد والعشرون مستساغاً بشكل جذاب أمام أعين القادة الذين كلفوا بالوصاية عليه والتاريخ تعاقب لصالحهم وبدا أن عهد سياسة يسار الوسط قد حان.
مضت ستة أعوام بدت طويلة جداً. ومن ضمن الخمسة الذين اجتمعوا في واشنطن في ذلك اليوم ليناقشوا إمكانية أن تسود سياسة يسار الوسط القرن الجديد, سيبقى توني بلير فقط في الساحة.
حيث كان ما سيمودو آليما أول من ذاق طعم الهزيمة ومن بعده بيل كلينتون واستمر وليم كوك لغاية عام 2002 وقريباً عندما تصبح ألمانيا حكومة تنتهج سياسة يمين الوسط سيكون غيرهارد شرويدر ضرباً من التاريخ وهزيمة شرويدر في 18 أيلول ستكون درساًً ليس بالنسبة لألمانيا فحسب وإنما للديمقراطية الاجتماعية أيضاً. ولمدة نصف قرن كان حزبه الديمقراطي الاجتماعي من الأحزاب التي تقيس نفسها به. كان حزبه انموذجاً للحزب اليساري المعارض للشيوعية الذي يشير إلى الديمقراطية الاجتماعية والاقتصاد المختلط- ويفوز بالانتخابات أيضاً. جاء الديمقراطيون الاجتماعيون من جميع أنحاء العالم بما فيهم بريطانيا ليظهروا مدى تأثير أحزابهم في العالم. لكن إن تعلمت أحزاب اليسار الأوروبية درساً في الماضي من النجاحات التي حققها الحزب الديمقراطي الاجتماعي عليها الآن أن تستعد لتأخذ عبرة من إخفاقاته الذريعة أيضاً. وتداعي اتحاد حزب الخضر والحمر هذا العام كان من الأحداث المشينة في تاريخ شرويدر ولمدة أكثر من عام من المفاوضات مع غالبية المجلس النيابي يحاول شرويدر الدفاع عن نفسه والمطالبة بإجراء انتخابات بدا من الواضح أّنه الخاسر فيها.
وبغض النظر عن كل شيء لا بد من الاعتراف بالإفلاس وبأن المنفذين للحزب الديمقراطي الاجتماعي لم يعد لديهم أي شيء يقدمونه لدولة من أهم وأكبر الدول الأوروبية. ويدل فشل الحزب الديمقراطي الاجتماعي على عجزه عن تقديم قاعدة سوق اجتماعية متماسكة للمسائل التي تطرحها الدول في ظل العولمة وهنالك أسباب عدة تكمن وراء هذا الاخفاق يبدو بعضها مفهوماً بالنسبة لنا.
وبعد كل هذا لايتوجب على أي بلد أوروبي أن يمتص الكثير من الصدمات الثقافية والسياسية والاقتصادية مثلما فعلت ألمانيا إثر إعادة توحيدها من جديد عام 1990 ولاتزال بقية الدول الأوروبية تبخس قدر معيار هذا الجهد الخيالي المبذول.
وعلى الرغم من كل ذلك يبقى الحزب الديمقراطي الاجتماعي مريحاً جداً من وجهة نظر ألمانيا وأوروبا الذي عرف بشكل دقيق من خلال الحرب الباردة. ويميل الديمقراطيون الاجتماعيون في ألمانيا إلى نموذج اقتصادي واجتماعي بقي قابلاً للاستمرارية من الناحية الاقتصادية طالما لايزال جدار برلين دائماً.
لكن تداعي الشيوعية لايقرر احتمال نشوء ألمانيا الاتحادية فحسب بل من شأنه أن يساهم بإنهاء عهد العولمة الرأسمالية الآخذة بالنشاط بشكل هائل والتي نعيش معظمنا في ظلها وسيكون البلايين من الشعب هم من المستفيدين خاصة في آسيا عندما تتمثل تلك العولمة بالاتحاد الأوروبي والصين معاً. ونموذج الرفاه الأوروبي عليه أن يتأقلم ويتماشى مع هذه الحقيقة وإلا فمصيره الضياع والفناء. ولايزال الحزب الديمقراطي الاجتماعي يكافح للحفاظ على وجوده في العالم ومن غير العدل أن نهزأ به كما تفعل تعليقات كثيرة صادرة عن حزب العمال الجديد وهنالك إشارات جاهلة من هذا القبيل تحاول أن تدمج ألمانيا مع فرنسا (وهنا تكمن المشكلة الحقيقية)وتقلل من قدر أصول السوق الاجتماعية الضاربة جذورها بالعمق في ألمانيا الحديثة ونحن نبالغ بالثناء على حالة الاستقرار البريطاني ونتجاهل المساعي الحقيقية التي قام بها الحزب الديمقراطي الاجتماعي.
أما بالنسبة لهذا الحزب فلم يفشل بشكل كلي طالما لديه القدرة على الاحتمال ومع تزايد نسبة البطالة في ألمانيا إلى 11% وبقاء حوالى خمسة ملايين ألماني بلا عمل يجعل باب الخيار مغلقاً في وجه حكومة شرويدر بإعادة تشكيل سوق العمل وحفز النمو والازدهار.
تعد هزيمة شرويدر اخفاقاً شخصياً مدهشاً في القدرة على القيادة. وبعد أن امتلك الشجاعة الكافية لمواجهة الحزب مع الحاجة الملحة للاصلاح خشي شرويدر النتائج المترتبة وفوق كل هذا وفي الاتحاد الأوروبي سمح شرويدر بأن تنتهك المصالح الألمانية عن طريق تضليلات جاك شيراك المتعددة القطبية. ولقد كان فعل شرويدر المخزي وتوقيعه على وثيقة استسلام مقابل شروط معينة ومفجعة للغاية وفي النهاية خلق كارثة حقيقية, بالإضافة لذلك ستكون العقوبات المنزلة على هزيمة كهذه شديدة الوطأة في نظام التمثيل النسبي كالموجود في ألمانيا.
وبعد أن تم السماح لأحزاب الخضر بالانفصال في السبعينيات يترك الآن الحزب الديمقراطي الاجتماعي المجال مفتوحاً لحدوث تغييرات سياسية واقتصادية لنظام اجتماعي, لكن لاشيء أقوى من الفكرة عندما يصرح عنها في وقتها المناسب. والآن يارفاقي يتكرر الخطأ ثانية وتبدو الفكرة أمراً غير مرجو منه وعديم الفائدة بعد فوات الآوان على التصريح بها.
خلاصة القول( إن اليسار الألماني سيتداعى وينقسم أكثر مما كان في السابق.وبعد ست سنوات من اضطلاع شرويدر بمسؤولياته يقوم الوزراء البريطانيون الآن بمساندة ودعم أنجيلا ميركل ,وفي جميع الأحوال تضلل بريطانيا نفسها حول مزيد من الاحتمالات ورغم هذا فحزب العمال محق في دعمه وتأييده لميركل ليس بسبب استجابتها لمشكلات ألمانيا والاتحاد الأوروبي بل لأنها تشكل استجابة أقل سوءاً من استجابة شرويدر, فقد أبدت بعض الطموحات عن حكومة تسعى لوضع جدول إصلاح يشمل قواعد السوق الاجتماعية ستكون حكومة ميركل أكثر فائدة لأوروبا. وهذه هي التهمة الأخيرة الموجهة لليسار الألماني حتى أن المرء يجد نفسه يتحدث بأشياء كهذه بثقة عالية.